صوره: يوسف ناروز

هل يمكن لنا أن نتخيل العالم من دون وسائل مواصلات? هل يستطيع أي شخص أن يبقى في مكانه منذ ولادته وطوال مراحل حياته? الإجابة اليوم أن هذا شيء مستحيل الحدوث, بل إن الكتّاب والرسامين عندما فكروا في أمور خيالية تصوروا وسائل جديدة للمواصلات, وساعدهم العلماء بعد سنوات من البحث, فابتكروا ما كان مجرد خيال, ابتكروا السيارة والقطار والطائرة والسفينة والغواصة ومركبات الفضاء.

أنا أشبه المتاحف يا أصدقائي بألبوم مصور, مثل الألبوم الذي نضع فيه لقطات من حياتنا, صورة لنا ونحن في المهد, وصورة لنا نرتدي زي أول صف دراسي, وصورة ونحن نتخرج في الصفوف العليا, واليوم نتذكر رحلة إحدى أهم وسائل المواصلات, من خلال ألبوم صوره, أقصد من خلال متحفه, الذي زرناه في القاهرة.

المتحف اسمه طويل: متحف الهيئة القومية لسكك حديد مصر, طويل مثل قضبان السكك الحديدية نفسها! ولكنني سأختصره, وأقول متحف القطارات, لأنني سأبحث فيه عن تاريخ القطارات, بمناسبة مرور 150 سنة على دخول القطارات لمصر.

ربما لا ينتبه الكثيرون لهذا المتحف لأن المسافرين يكونون على عجلة, يسارعون إلى اللحاق بالقطار, أو يسارعون إلى الخروج منه, ولكن التأني سيجعلنا نتوقف أمامه وهو على الرصيف رقم واحد بمحطة القاهرة, في ميدان رمسيس. وحين تدخل متحف القطارات ستكتشف أنك تستعرض مائة وخمسين عاما من تطور القطارات في العالم. حيث يضم المتحف 700 نموذج مصغر أو بالحجم الطبيعي, للقطارات والقاطرات في مصر, منها أول قاطرة صنعت في العالم (تعود لسنة 1783 م) وأول قاطرة سارت في مصر (سنة 1854م), والشهر الماضي مرت 71 سنة على افتتاح المتحف الذي افتتح بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي للسكك الحديدية في شهر يناير سنة 1933م.

ونحن نعرف أنه بعد اختراع محرك البخار, بواسطة جيمس واط عالم البخار ـ كما يدل اسمه الطريف ـ

بنى وليم مردوخ في إنجلترا قاطرته الأولى سنة 1781م, وحسن المهندسون بعده الاختراع مثل الفرنسي كرنيو والأمريكي أوليفر إيفانس الذي اخترع مركبته سنة 1782م.

وفي سنة 1814 تمكن ريتشارد نريفثك من افتتاح خط حديدي قصير في ويلز الجنوبية وسمى قاطرته: ليلحقني من يشاء! لكن القضبان المسننة المصنوعة من الحديد الزهر ـ أحد أنواع الحديد غير الصلب ـ تكسرت! وفي سنة 1824 أنشئت سكة حديد دبلن - كنجستون, ثم ليفربول ـ مانشستر في 1830م.

وبعد بريطانيا دخلت القطارات الولايات المتحدة, ثم كانت ثالث دولة في العالم, وأول دولة في أفريقيا والعالم العربي تدخلها القطارات هي مصر وكان ذلك سنة 1852م, وفي المتحف المراسلات التي تمت في عهد محمد علي بشأن إنشاء هذه السكك الحديدية. وقد تعهد حكام مصر بدفع مقابل إنشاء هذه السكك واتفق على إنشاء الجزء الأول من الخط الحديدي بين الإسكندرية والقاهرة., وقد افتتح هذا الخط بطول 209 كيلومترات, وتبلغ الآن مسافات سكك حديد مصر كلها 6869 كيلومترا.

وقد أعجبتني قاطرة موردوخ, التي صنعها مساعد جيمس واط نفسه, وهي تشتغل بالبخار, ولها عجلتان خلفيتان كبيرتان, وعجلة صغيرة في المقدمة. وكذلك أعجبتني عربة الصالون الرسمي لحاكم مصر سنة 1858 م والتي بناها رايت في مدينة برمنجهام, وقطار الخديوي الذي بني في مصانع ستيفنسن بمدينة نيوكاسل, سنة 1859م, وعربة الأميرات التي بنيت قبله بسنة واحدة, ونموذج آخر من القطار الملكي, الذي كان يركبه ملوك مصر قبل سبعين سنة.

وبجانب نماذج القطارات, نماذج للمحطات: محطة طنطا التي بنيت سنة 1933م, ومحطة بورسعيد 1955م, ومحطة أسيوط 1938م, ومحطة سيدي جابر 1948م, وأقدمها نموذج لمحطة إدفو سنة 1928م. وكذلك الكباري (الجسور) التي تمر بها القطارات فوق نهر النيل حين يعبر مدن القاهرة وبنها وإدفينا والمنيا وغيرها. وكذلك الإشارات الضوئية التي تنظم حركة القطارات.

ألم أقل لك إنه ألبوم لقصة حياة القطارات في 150 سنة!

يبين المتحف صور النقل في عهد قدماء المصريين, من مركبات وقوارب وسفن للنقل البشري ونقل البضائع, وأيضا أقدم صورة مصرية للعجلة وتعود لسنة 2800 قبل الميلاد, أي أن عمرها حوالي خمسة آلاف سنة, كما يوجد في المتحف نماذج للمحطات التي يقف بها القطار في مدن مصر, وخرائط السكك الحديدية بمصر, ونموذج لما كان يملكه أحد الهواة الذين عاشوا في مصر, ولا يزال النموذج يعمل وتستطيع أن تشاهد القطارات الصغيرة وهي تتحرك فوق القضبان بسرعة ودقة.