بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي
        

لست مثلهم.. فأنا «ديلانتيرو»

          لست جبانا فأنا «ديلانتيرو»، وهذا ليس اسمي، بل الصفة التي يطلقونها عليّ في موطني البعيد، كقائد شجاع لقافلة من قوافل حيوانات اللاما التي تحتمل مشقة نقل الأثقال في الطرق الجبلية الصعبة، ولقد اكتسبت هذه الصفة لأنني لا أخاف من وحوش الجبال ـ مثل النسور والذئاب ـ التي تخيف حيوانات اللاما العادية وتجعلها تفر إذا لم يكن لها قائد مثلي. وهاهم هؤلاء البشر غريبو الأطوار يضربونني بقسوة لأفعل ما يريدونه في هذه الجبال التي حملوني إليها مرغمًا. يظنونني جبانا مثلهم، ويظنون أن ضربهم المتوحش لي سيخيفني ويجعلني أطيعهم. لا، فأنا ديلانتيرو، تربيت مثل آلاف من حيوانات اللاما في مرتفعات جبال الإنديز في بوليفيا، على ارتفاع أربعة آلاف متر فوق سطح البحر. في بيئة صعبة، وهذا مما يكسبنا القوة والصبر، تمامًا مثل جمال الصحراء التي نشبهها وإن كنا أصغر منها حجما. نحن نتدرب على نقل الأثقال عبر الجبال منذ سن الثالثة، ونستمر حتى التاسعة، ننقل الملح واللحم المجفف وحبوب الكينو ودقيق الشينو المصنوع من مسحوق البطاطس المجففة من موطننا المرتفع إلى أسواق الوديان المنخفضة، ونعود من هذه الأسواق بحبوب الذُرة والفاصوليا الجافة والفاكهة والسُكّر لأصحابنا في الجبال. أما هؤلاء الإسرائيليون الذين جلبونا من بعيد، فهم ليسوا أصحابنا، وهم يريدوننا أن نحمل أشياء لم نتعود على حملها، وعندما نتمرد يضربوننا بقسوة لنطيعهم، يظنوننا جبناء مثلهم، فنحن نشم رائحة خوفهم وهم يسوقوننا بالقوة، لنعبر الحدود إلى جبال جنوب لبنان، كثيرون مثلي أعلنوا تمردهم، ولم يتقدموا خطوة سواء بإغراءات الطعام أو بالضرب المجنون. لست جبانًا، وليس بقية المتمردين من قادة اللاما جبناء، فنحن قادة، ديلانتيروات شجعان، لكننا ببساطة نشم رائحة الحقد تفوح من الإسرائيليين الذين يقودوننا، ونشم رائحة الشر فيما يريدون منا حمله إلى قرى اللبنانيين التي لم يكفوا عن تدميرها، قنابل وصواريخ فيها برودة ورائحة الموت، ليست حبوب كينو ولا دقيق شينو ولا ملحًا ولا سكّر مما اعتدنا حمله. فليعيدونا إلى أوطاننا العالية الحبيبة البعيدة، أو ليذبحونا، فهذا أهون من رائحة الحرب التي يريدون منا حملها.

          حدث بالفعل أن كثيرا من حيوانات اللاما التي رباها الإسرائيليون لنقل الذخائر لقواتهم التي حاولت غزو القرى اللبنانية في الجنوب، تمردت ورفضت التقدم خطوة،وهي تحمل رسائل الموت الإسرائيلية إلى المدنيين والأطفال اللبنانيين، وكأن غريزتها جعلتها تكتشف الشر فيما أجبرت على حمله.

 


 

محمد المخزنجي