بذلة الفضاء بيوت فضائية قمرية للبشر.. عمرو خيري

بذلة الفضاء بيوت فضائية قمرية للبشر.. عمرو خيري
        

          صديقي العربي الصغير، صديقتي العربية الصغيرة، تخيلا أنكما تعيشان في ظروف جوية صعبة.. مثلاً في طقس صحراوي حار، أو على خط الاستواء، أو ربما في طقس بارد مثل القطب الجنوبي أو الشمالي.

          تمكن البشر من الإقامة في كل الظروف بالتحايل على الطقس بالملابس وأماكن السكن.. لكن ترى كيف تمكنوا من التحايل على «الفضاء الخارجي»؛ حتى يتمكن رائد الفضاء من الإقامة فيه لفترات طويلة أو قصيرة؟

          بذلة الفضاء هي الحل، وقد تطورت من بذلات الغطس، وبذلات الطيران على ارتفاعات كبيرة. وهي ليست مجرد ثوب معقد الشكل باهظ التكلفة، بل هي نظام حياة كامل متعدد الطبقات والأنسجة والأثواب والنظم الداخلية، يعيش داخله رائد الفضاء وكأنه في بيته، لكن ماذا يحدث لو خرجت إلى الفضاء دون بذلة الفضاء؟

بلا غطاء في الفضاء

          لو أنك في الفضاء الخارجي - أو على ظهر القمر - من دون بذلة الفضاء، ستتعرض لفقدان الوعي خلال 15 ثانية بسبب غياب الأكسجين، وستجد دمك وسوائل جسدك تغلي، ثم تتجمد بسبب غياب الضغط الجوي أو وجود قدر قليل منه، ثم ستتمدد أعضاء الجسم (القلب، والرئتين، إلخ) بسبب غليان السوائل، وستتعرض لدرجات حرارة مخيفة، تبلغ 120 درجة في الشمس،   و - 100 في الظل، وستتعرض للإشعاعات مثل الأشعة الشمسية بلا حماية من غلاف جوي، وجسيمات من الشمس تسمى «رياح شمسية»، بالإضافة لجسيمات صغيرة تسمى «نيازك دقيقة» لا تُرى بالعين المجردة، وقد تضرب الجسد بسرعة كبيرة وتتسبب في أذى بالغ.

بذلات الفضاء مشروعات تاريخية!

          ولهذا تعتبر بذلة الفضاء مهمة، ولذا قد تتكلف 22 مليون دولار وتستغرق سنوات في تصميمها وتطويرها، فتعالوا نتعرف على بعضها، ولنعتبر كل نوع منها مشروعًا علميًا وإنجازًا إنسانيًا مهمًا في حد ذاته.

سكافاندرس

          هي أول بذلة فضاء بالمعنى المعروف، واخترعها العالم الروسي يفجيني شرتانوفسكي عام 1931، وقدم منها للعالم 7 نماذج أولها النموذج CH-1 وأخرها CH-7، وهي أول بذلة تحافظ على الضغط المحيط بجسم الإنسان، وكانت بغرض الاستخدام على ارتفاعات كبيرة، وقبل وصول الإنسان إلى الفضاء بسنوات كثيرة.

نموذج ويلي بوست

          في عام 1935 ساعد الطيار ويلي بوست - أول إنسان يطير وحده في رحلة حول العالم - على تصميم بذلة للطيران على ارتفاعات عالية. ويجري الآن تحضير البذلة التي اخترعها لعرضها في متحف الطيران والفضاء بالولايات المتحدة.

SK-1 (بذلة يوري جاجارين)

          يوري جاجارين هو أول رائد فضاء يصعد إلى الفضاء، وهو روسي الجنسية صعد إلى الفضاء عام 1961 وهو أول بشري يدور حول كوكب الأرض على متن الصاروخ «فوستوك 1» روسي الصنع.

بذلة مشروع عطارد

          هي بذلة فضاء صنعت خصيصاً للمشروع الفضائي الأمريكي عام 1958، وتم تطويرها من بذلات الطيران على ارتفاعات عالية، وأضيفت إليها طبقات من نسيج شبيه بالألومنيوم فوق طبقات البذلة المطاطية، ولبذلة فضاء عطارد حذاء بأربطة خاصة، وخوذة وقفازات، وكانت البذلة تأخذ تهويتها وتبريدها من مروحة خارجية ملحقة، ويصلها الأوكسجين للتنفس من خلال خراطيم خاصة موصولة بالمركبة الفضائية، واستخدامها الوحيد كان في حالات الطوارئ، إذا تعرضت سفينة الفضاء لحادث وهي في رحلتها.

بذلة جيميني

          وجد العلماء أن التحرك في بذلة عطارد صعب حين يتم معادلة ضغطها الداخلي، ولم تكن البذلة مصممة للسير على الأقدام، فتم تطوير بذلة جيميني للسير في الفضاء الخارجي عام 1963 من قبل وكالة ناسا الأمريكية، وتم استخدامها من جانب رواد الفضاء في رحلات على أطراف الغلاف الجوي، وفي رحلات في مكوك الفضاء الأمريكي.

بذلة ياستريب

          نموذج روسي آخر تم تطويره عام 1966، واستخدم في رحلات الفضاء «سويوز 4» و«سويوز 5» مرتين فقط، وواجه رواد الفضاء مشكلات مع تلك البذلة ولم تستمر مستخدمة طويلاً.

بذلة أورلان

          بذلة روسية أخرى ظهرت منها نماذج كثيرة، كان أولها عام 1977، وهي شبه مرنة، فجزء الجسم منها جاف يصعب تحريكه، ولكن يسهل تحريك الذراعين. وهي صالحة لإجراء تصليحات وتركيبات على الأسطح الخارجية للمحطات الفضائية، وقد يقضي رائد الفضاء داخلها تسع ساعات.

بذلة أبوللو

          هي أشهر بذلة فضاء في التاريخ، والتي سار بها رواد الفضاء الأمريكيون على ظهر القمر، وكان تصميمها صعباً؛ لأنها صنعت للسير على سطح القمر، بالإضافة للرحلة في الفضاء. وتتكون بذلة أبوللو من رداء داخلي من النايلون يتمتع بنظام تبريد بالمياه، وعدة طبقات لمعادلة الضغط من النايلون، وخمس طبقات من نسيج ألومنيوم مشتبك بأربع طبقات داكرون للحماية من الحرارة، ثم طبقتين من مادة الكابتون لمزيد من الحماية من الحرارة، ثم طبقتي تيفلون، العلوية منها تمنح بذلة الفضاء لونها الأبيض الشهير.

          وللسير على القمر زودت البذلة بحذاء إضافي يستعمل في السير على السطح فقط، بالإضافة لقفاز خاص، وطبقة من الفلاتر الخفيفة توضع فوق الخوذة للحماية من أشعة الشمس، وحقيبة ظهر تحتوي على أوكسجين للتنفس. وكان وزن البذلة على الأرض 82 كيلو جراماً، لكن مع جاذبية القمر المنخفضة ( 1 / 6 من جاذبية الأرض) أصبح وزنها على القمر 14 كيلو جراماً فقط.

          واستخدمت بذلة أبوللو طوال مشروع أبوللو الفضائي الأمريكي، من عام 1968 إلى 1975.

بذلة سوكول

          بذلة فضاء روسية أخرى تم تصميمها عام 1973 واستخدمت حتى عام 2005، وهي مصممة خصيصاً للإنقاذ، ولا يمكن الاستعانة بها في الفضاء الخارجي، ومهمتها الحفاظ على حياة رائد الفضاء إذا تعرضت سفينة الفضاء لحادث أو انخفاض مفاجئ في الضغط.

بذلة مكوك الفضاء EMU

          هي بذلة الفضاء المستخدمة حالياً من قبل الرواد الأمريكيين على متن محطة الفضاء الدولية، وفي رحلات مكوك الفضاء المتكررة. وجاءت البذلة نتاجاً لسنوات من البحث والتطوير بدأت عام 1974 مع بدء تصميم البذلة، التي تم تسليمها لناسا عام 1982، واستخدمت لأول مرة عام 1984، وهي من قطعتين و17 طبقة، ولها نفس تصميم خوذة بذلة أبوللو ونفس نظام الاتصالات، ويزيد وزنها عن 80 كيلو جراماً.

 


 

عمرو خيري