بيت التراث في دبي شاهد على ماضي الأسرة الإماراتية

بيت التراث في دبي شاهد على ماضي الأسرة الإماراتية
        

          عندما تسمعون اسم مدينة دبي تتراءى لكم على الفور الأبراج العالية والمجمعات التجارية الضخمة... لكن هل تساءلتم يوماً عن شكل البيت الإماراتي القديم؟ هل تحبون أن تعرفوا كيف كان شكل البيت الذي سكنه أهل دبيّ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؟

          تلقّى العربي الصغير دعوة لزيارة «بيت التراث» في دبي وخلال تلبية الزيارة وجد إجابات عن هذه الأسئلة...

تاريخ «بيت التراث»

          بُنِيَ هذا البيت في العام 1890، وكان حينها مؤلفاً من حجرتين تطلان على حوش فسيح، ثم أُلحِقَت بالحوش غرف صغيرة من جريد النخيل. فيما بعد صار سكان البيت يضيفون الغرف إليه، وعام 1935 قرّر مالك البيت أن يحوّله إلى نموذج للبيوت الإماراتية التراثية، فأحضر أمهر البنّائين والنقّاشين لتحسين البيت... بعد مرور عقود من الزمن قام المسئولون في إمارة دبي بترميم البيت وتحويله إلى معلم تراثي وفتحه أمام السياح والزوّار، وهو منذ العام 2000 تحت رعاية واشراف دائرة السياحة في دبي.

غرف البيت وأقسامه

  • المجلس

          أول غرفة دخلها «العربي الصغير» في بيت التراث هي «المجلس»، الغرفة الأساسية في البيوت الإماراتية والخليجية، وهي مخصّصة لاستقبال الضيوف وتكريمهم كما تفرض التقاليد الاجتماعية الخليجية وكما ينصّ الدين الاسلامي أيضاً. 

          هذا المجلس يطلّ على الشارع، وهو معزول عن باقي البيت، مما يحافظ على خصوصية أهله. وفي المجلس يوجد كلّ ما يحتاج إليه الضيف أو المسافر من طعام وشراب ومستلزمات الراحة، حيث يفرش بالمطارح والمساند المزخرفة «التكي» و«الدواشك»، أما جدرانه فمزينة بلوحات قرآنية وأنواع مختلفة من الأسلحة الإماراتية التقليدية مثل البنادق والسيوف والخناجر.

  • الحوش

          يتوسّط الحوشُ أقسامَ البيت. تطلّ عليه من الجوانب الأربعة كلّ الغرف باستثناء «المجلس». هو غير مسقوف وغير معبّد، أي أن أرضه من الرمل والحصى. تزرع فيه أشجار اللوز والسدر.

          وفي وسطه نجد نخلة كبيرة تمدّ تحتها مطارح ودواشك، ويتوسطها موقد لإعداد الشاي والقهوة، فهنا يوجد المجلس الخارجي الوحيد.

          وفي الحوش يلعب أطفال البيت ألعابهم الشعبية مثل الصبّة والجحيف والعرانس.

  • مجلس النساء

          لا يسمح للرجال بدخول مجلس النساء، لكن لا بأس إن دخل الأولاد الصغار، ففي هذا المجلس تجتمع نساء البيت وبناته ومن يزورهن من قريبات وجارات وضيفات. وإضافة الى كونه مكاناً للراحة تقوم النساء في مجلسهن بأعمال الغزل والتطريز ونقش الحناء واعداد القهوة... وتبقى المبخرة حاضرة لتعطير وتطييب الأجواء بالبخور.

  • «المعيشة» و«الحجلة»

          نساء ورجال وأطفال العائلة يلتقون كلّهم في «المعيشة» وهي الغرفة الداخلية الرئيسية، وفيها تجتمع العائلة لتأكل وتجلس وتتحدّث في شؤونها الخاصة. تتميّز هذه الغرفة بكثرة النوافذ التي تسمى «الدرايش». وإلى جانبها تقع غرفة «الحجلة» وهي غرفة العروس، فإذا عزم أحد أفراد البيت على الزواج تقوم النسوة بإعداد هذه الغرفة للعريس والعروس. أهمّ التحضيرات هي «زهبة العروس» أي كل ما تحتاجه العروس من ملابس مثل: «الكندورة» و«الشيلة» غطاء الرأس والبرقع، وما تحتاجه من زينة مثل: الحنّة والكحل و«الياس» لتزيين الوجه، والعطور من دهن العود والزعفران والعنبر والصندل والمسك والفل ... أما «المخمرية» فهي المصنوعة من خليط جميع العطور. ولا تنسى النسوة نصيب العريس من ملابس هي الكندورة والبشت والأزرار والعقال والقحفية وعطوره أيضاً.

  • المخزن والمطبخ

          في زاوية بعيدة عن غرف المعيشة والنوم يوجد المطبخ، وذلك حتى لا تضايق الأبخرة وأدخنة الحطب المنبعثة منه سكان البيت. المطبخ التقليدي صغير الحجم، فيه الموقد الذي تشعل فيه الأعواد والأخشاب، وفيه الرحى لطحن الحبوب والقِدر التي يطهى فيها الطعام، والمخبز والتنور...

          شعر «العربي الصغير» بالجوع وهو يتعرّف الى الطبخات الاماراتية التقليدية مثل الهريس (من اللحم والقمح) المكبوس (من الأرز والسمك أو اللحم)، الثريد (من الخبز ومرق اللحم) وطبعاً (الغوزي) وهو الذبيحة المحشوة التي تدفن في حفرة مليئة بالجمر ... ولا ننسى الحلويات ومكوناتها الأساسية العسل والتمر والبيض والدقيق، أشهرها اللقيمات والعصيدة والخبيصة ...

          قرب المطبخ يوجد المخزن أو غرفة المؤونة التي تحفظ فيها الأطعمة والحبوب مثل الطحين والأرز والتمر والسمن توضع كلها في جرار فخارية، كذلك أدوات الطبخ والأواني التي توضع غالباً فوق سقيفة خشبية...

          خارج المطبخ توجد بئر الماء، وهي ليست للشرب، فمياهها المالحة تستعمل للغسل والتنظيف، أما مياه الشرب فكان يجلبها «المروي»، بائع المياه الحلوة، من الآبار العذبة ويحملها في جرار فوق الحمير ثم يوزّعها على البيوت. تشتري النساء المياه ويخزنّها في جرار فخارية تغطى بالخوص وتدخّن باللبان العربي، المستكا، فتبقى باردة ولها رائحة زكية.

          البيت الإماراتي له طابق علوي أيضاً، يطلّ على الخليج، ويقصده أهل البيت للاستمتاع بنسائم البحر المنعشة.

          بعد تلك الجولة الممتعة جلس العربي الصغير يرتشف الشاي في الحوش ويتخيل الأجداد الذين سكنوا في هذا البيت والألعاب التي لعبت في هذا الحوش والحكايات التي كانت تروى في المجالس ... كانت رحلة ممتعة في ماضينا الجميل.

 

 


 

بسمة الخطيب