إعلانٌ غيرُ مجَّاني

إعلانٌ غيرُ مجَّاني
        

رسوم : نورهان كيلاني

          - ما هذَا الصوت؟

          تساءَلَ أولادُ الحيِّ الواحدِ وهمْ في مَدْخل إحدى البناياتِ يُحاولونَ اختيارَ (شعار) الجمعية من بَيْنِ الشاراتِ التي رسمتْهَا دانية أصغر الأصدقاء قبل يَومَيْنِ.

          ولما بدا الصوتُ غريبًا وبعيدًا، حاولوا أن يتناسوهُ ويعودُوا إلى ما كانُوا يفعلونَهُ، لكن تكرارهُ واقترابهُ وغرابة إيقاعِهِ جعلَ ربيع يُسرعُ نحوَ دراجتِهِ قائلاً:

          - لحظاتٌ وأعودُ لكم بالخبرِ اليقينِ.

          تأملتْ شوشو قفزتهُ إلى مقعدِ دراجتِهِ وابتسمتْ ابتسامةً ساخرةً ثمَّ تنهدتْ دونَ أنْ تتفوّهَ بحرفٍ. لكن ربيع الذي يراقبُ شوشو باستمرارٍ، اعتبر عدم تعليقها إلا بابتسامةٍ وتنهيدةٍ أشدّ وطأة من تعليقٍ ساخرٍ، فقال قبلَ أن ينطلقَ:

          - كان يجبُ أن أولد في الصينِ حيث تقدّر الدراجات وينالُ أصحابُها منحًا ماليةً من الدولةٍ تشجيعًا.

          كتمتْ شوشو ضحكةً خبيثةً، ثمّ قالتْ:

          - هيءْ.

          وكاد يجنُّ، حيثُ لمعتْ عيناهُ بالغضبِ وسألها:

          - ماذا تعنين بـ (هيء) هذِهِ؟

          قالتْ:

          - أعني أنّ دراجتكَ عندهَا لن تكون إلا دراجة جرباءَ بينَ ملايين الدّراجاتِ.

          أرادَ ألا يجادلها، فاتجه بدراجتِهِ نحو الصوتِ وهو يتمتمُ:

          - يالهامن غيرة!

          فرفعت حاجبيها تُريد أن تردّ، لكنه أضاف قبل أن تفعل:

          - وضيق عيْن.

          وسارعَ مغادرًا الحيِّ.

          كانَ الأولادُ قدْ اختارُوا شعاراً لناديِهم في غيابِ ربيع، ولكنّهم لم يبتّوا الأمرَ نهائيًا قبل عودتِهِ خلال نصفِ ساعةٍ بالتمامِ وَوراءهُ شاحنةٌ كبيرةٌ مغلقةُ لونها أبيضُ يقودُها رجلٌ عجوزٌ ذو شاربينِ أبيضينِ كبيرينِ وابتسامةٍ دائمةٍ تنعكسُ على عينيهِ العسليتينِ الكبيرتينِ.

          وقبلَ أن يسألَ أحدُهُم ربيع الذي أوقفَ درّاجته في مدخلِ إحدى البناياتِ ودَعا الرجلَ إلى إيقافِ شاحنتِهِ، التفتَ إلى رفقائِهِ قائلاً:

          - أردتُ أن أعرّفَ عمو «أبو رضوان» بجمعيّتنا.

          تقدّم الجميعُ نحو الرجل الذين قفز بكرشِهِ الكبيرةِ وقفزتْ معه ابتسامةٌ واسعةٌ ومدّ كفّهُ مصافحًا الجميع، الذين قالوا على التّوالي:

          - شوُشُو من نادي حماية البيئة.

          - هاني من نادي حماية البيئةِ.

          - دانية من نادي حماية البيئةِ.

          - وقمر من نادي حماية البيئةِ.

          والتفتَ عمو «أبو رضوان» نحوَ ربيع وقالَ ضاحكًا:

          - ربيع من نادي حمايةِ البيئةِ.

          ثمَّ انحنى نصفَ انحناءةٍ، وقالَ:

          - عمو «أبو رضوان» من «نادي بياضات وبَرادي حماية البيئةِ».

          وراحَ يقهقهُ فضحكُوا معهُ وانتظروا تفسيرًا لما قالَ، فجلسَ على حافةِ حوض الأزهار ثمَ شرحَ:

          - أعجبتني فكرةُ جمعيتِكم فوجدتُ فيما أبيعُ ما يُشبهُ ما تُنادون بِهِ.

          سألتْ شُوشُو:

          - يعني أنّ البياضاتِ وَالبرادي التي تبيعُها هي فعلاً صحية بيئيًا؟

          وسألتْ قمرُ:

          - وكيفَ عرفت أنها كذلكَ؟

          واتجَهَ عمو «أبو رضوان» نحوَ شاحنتِهِ وفتحَ الباب الخلفيّ لها فإذا بها أشبه بدكانٍ اصطفتْ فيهِ مجموعة الأقمشةِ بكلِّ الألوان في لفافاتٍ منظمةٍ بعضها فوقَ البعضِ الآخر، وقالَ:

          - الأمرُ لا يحتاجُ إلى ذكاءٍ خارقٍ.

          سألَ هاني:

          - يعْني؟

          قالَ الرجلُ وهُو يُخرج إحدى اللفافاتِ فسارعَ الأولادُ للمسِ أطرافها بينَ أصابعهم الصغيرةِ:

          - يعني أنها أقمشةٌ قطنيةٌ مائة بالمائة تخلو تمامًا من مادةِ «البوليستر» التي لا تكادُ الأقمشةِ اليوم تخلو منها.

          فهمَت دانية قصدَهُ، فعلّقت:

          - صحيح عمو «أبو رضوان»... حتّى الملابس التي نلبسها تحتوي على كميّاتٍ من البوليستر الذي يجْعَلَ القماشَ لا يحتاج إلى كيٍّ باستمرار وهوَ أسهلُ في الخياطةِ.

          شدّت شوشو على كتف دانية إليها بفخرٍ وقالت للرجلِ العجوزِ:

          - دانية تصمّم أزياء للدُّمى وتعرف كلَّ شيءٍ عن الخياطةِ والقماشِ.

          فقالتْ دانية بعْدَ أن ضغطتِ القماش بقوةٍ في راحتِهَا الصغيرةِ، ثم نظرتْ إلى القسمِ الذي ضغطته فإذا بهِ مجعدٌّ:

          - وهذا قماشٌ قطنيٌّ بالفعلِ.

          قالتْ قمرُ:

          - يعني يحتاج إلى كيٍّ.

          فقالَ الرجلٌ:

          - نعمْ... يحتاجُ إلى كيٍّ.

          فجلستْ قمرُ على حافةِ حوضِ الزهورِ وبدتْ مخيبة:

          - تصوّروا أن نكوي الشراشفِِ وأغطيةِ المخدَّات واللحفِ في كلِّ مرةٍ نغسلُها فيها... إنَّ أمهاتِنا بالتأكيدِ يفضّلن الأقمشةِ مع البوليستر.

          قالَ عمو أبو رضوان:

          - بَلْ يفضّلْنَ صحة أولادهِنَّ، فالبوليستر أو النايلون هي مواد اصطناعية كيماوية.

          اهتمّ ربيع وسألَ:

          - يعني؟

          أجاب عمو «أبو رضوان»:

          - يعني أن تلك الأقمشةِ تحتوي على مادة اسمُها «الفورمالديهايد».

          وردّد الجميعُ بصعوبةٍ:

          «الفورمالديهايد»؟

          - وضحكتْ قمرُ:

          - الفورمالديهايد... ما رأيك يا شُوشُو؟

          قالتْ شوشو:

          - اسمٌ يصلحُ أن يُطلق على دراجةِ ربيع.

          وما أن سمعَ ربيع تعليقَها حتّى نفخَ صدرهُ غاضبًا واقتربَ منها فاختبأتْ وراءَ قمر ضاحكةً، وقالَ:

          - ولماذَا يُطلق هذا الاسمُ على دراجَتي؟ ألا ترينَها من المعدن القويّ؟

          وقبل أن تتفاقم المشكلة كالعادةِ، تدخَّل هاني وقالَ لهُ:

          - شُوشُو لا تقصدُ أنّ دراجتك من النايلون يا ربيع، لكنّ الاسم فخمٌ.

          فقال ربيعُ غاضبًا:

          - فخمٌ وضارٌ.

          فأكّد البائعُ العجوزُ:

          - ضارٌّ طبعًا، فهذِهِ المادة - لو تعرفون يا أولاد - ويجبْ أن تعرفوا بما أنّكم من «نادي حمايةِ البيئةِ» تسبّبُّ السعال، وتسبّبُّ الدموعَ، وتزيدُ حالاتِ الرّبو سوءًا.

          شهقَ الجميعُ وتناسوا خلافاتهم، واقتربتْ شُوشُو إلى البائعِِ رافعةً حاجبيها الأسوديْنِ، وكذلك قمر التي سألتْ:

          - سعالٌ ودموعٌ وربو؟ سببُها بياضاتُنا؟

          أكّد عمو «أبو رضوان»:

          - والستائرُ...

          فقال ربيع:

          - طبعًا ففي الستائرِ أيضًا فورمالديهايد...

          وقال عمو أبو رضوان:

          - وداخل مخداتِكم أيضًا، فمعظم المخدّات محشوةٌ بمشتقاتِ النايلون المستخرجةِ من كيماوياتٍ تتواجدُ في النفطِ وتشكّل خطورةً على الصحةِ... إنها مهنتي وأَنا أتابعُ آخر ما يستجدُّ فيها... أيّها الأولادُ... لقد أظهرتِ الدراساتُ ارتفاعًا في حالاتِ الإصابةِ بالالتهابِ الشعبيّ والمشاكلِ الجلديةِ لدى الأشخاصِ الذينَ يحتكّون بها عدا عن أنها سريعةِ الاشتعالِ وقد تسبّبُ حريقًا تخنقُ النائمِ عليها.

          سألتْ قمرُ:

          - يخنقُ أم يحرقُ؟

          أجابَ الرجلُ العجوزُ:

          - بل يخنقُ، فدُخانُها السامُّ يخنقُ متنشِّقَهُ قبلَ أن يحرقهُ نارهَا... تصوَّرُوا!

          هنا نادتْ دانية أمَّها:

          - أمي... أمي... هل حشوةُ مخدّتي من النايلونِ؟

          وما إن مضتْ لحظاتٌ حتّى ردّتْ أمّها من الشرفةِ:

          - بل من القطنِ... كلُّ مخداتنا محشوّةٌ بالقطنِ... ولكن لماذا؟

          وسأَلتْ:

          - والشّراشفِ وأغطيةِ المخدّاتِ؟

          أطلّت أمُّها وهي تنظرُ إلى أسفلٍ، وسألتْ وهي ترقبُ الرجلَ العجوزَ:

          - ما هذه الأسئلةِ؟

          فأجابَتْ شُوشُو:

          - الأمرُ خطيرٌ....

          فذُعرتْ أم دانية:

          - ماذا؟ هل وقعتِ وجرحْت قدماكِ كالعادةِ؟

          ضحكت دانية:

          - يا ليت... الأمرُ أخطرُ...

          وارتبكتْ الأمُّ:

          - ماذا حصل؟

          فقال هاني:

          - لابأس يا خالة... سنحلُّ المشكلةِ.

          سحرتْ الأقمشةُ بألوانها الزاهيةِ الأولاد، وراح كلُّ واحدٍ يفكّر بسريره مغطًى بشراشفٍ وأغطيةٍ من لونٍ معينٍ ويتخيّلُ ستائر تناسبُ هذه الألوانِ.

          وتخيّلت دانية أنّها تقومُ بنفسها بخياطةِ البرادي، بينما أمُّها تضعُ البرادي القديمةِ في كيسٍ كبيرٍ لترميها مع الشراشفِ القديمةِ الممزوجةِ بالنايلونِ.

          ولمّا أخرجَ عمو أبو رضوان لفافة قماشٍ سكري اللون راحَ الأولادُ يتأكّدون من أنّه قطنيٌّ.

          قالَ عمو رضوان:

          - والأفضلُ أن تبطّن كلّ ستارةٍ بهذا اللونِ.

          سألَ الجميعُ:

          - لماذَا؟

          فأجابَ:

          - البطانةُ - أولاً - تحمي القماشَ من أشعةِ الشمسِ فلا تتغيرُّ ألوانهُ...

          قالتْ قمرُ: آه... عاملٌ جماليٌّ إذن.

          قالَ: وصحيّ.

          فسألَ الجميعُ من جديدٍ: كيفَ؟

          قالَ: البطانةُ تمنع دخولَ الحرّ الشديد صيفًا وتمنع البرد شتاءً.

          سألَ هاني: يعني؟

          أجابَ الرجلُ: يعني أنكُّم لنْ تضطرّوا إلى تشغيلِ التدفئةِ أو التبريدِ بشكلٍ كبيرٍ وأنتم تعرفونَ ضرر التدفئةِ والتبريدِ إذا ما تجاوزَا الحدِّ.

          وأنا أقولُ دائمًا لكلِّ زبونٍ يريدُ شراء قماش ستارةٍ: بطِّن الستارة!

          والتقطَ الأولادُ إيقاعًا في جملةِ عمو أبو رضوان فردّدوا معًا: بطِّن الستارة، بطِّن الستارة!

          وخطرتْ ببالِ قمر جملةً على الوزنِ ذاتِهِ: فقالتْ:

          بطِّن الستارةُ

          واحفظِ الحرارةُ

          صفّقَ الأولادُ معجبينَ بجملةِ قمر، وقالَ العجوزُ: هذه مطلع أغنيةٍ، لمَ لا؟ فقماشُ القطنِ يا أولاد...

          قال هاني على الفوْرِ: إرث حلو للأحفادِ.

          وعلتِ الصيحاتُ إعجابًا، ثمَّ غنّوا معًا ومعهُمْ البائع العجوز ذو الكرش الكبيرةِ:

          بطِّن الستارة

          واحفظ الحرارة

          قماشُ القطنِ يا أولادْ

          إرثٌ حلوٌ للأحفادِ

          وخطَر ببال شُوشُو أن تكمل الأغنيةِ، فقالتْ:

          وللسرير شرشفٌ

          من القطنِ أرهفٌ

          هتفَ عمو أبو رضوان: أحسنتُم يا أولاد.

          وتشجّعَ ربيع على إكمالِ الأغنيةِ، فقالَ: أريدُ إكمالَ الأغنيةِ.

          وأصغى الجميعُ، فقالَ:

          درّاجةٌ متينةٌ

          حديث المَدينة

          و....

          وقبلَ أن يكمل، سارعتْ شوشو وراءَهُ راكضة وأمسكتْ ظهر قميصِهِ مهدّدةٌ:

          سأجعلُ من صاحبِ الدرّاجةِ حديثَ المدينةِ.

          وضحكِ الجميعُ رافضينَ إضافةِ مقطع ربيع إلى الأغنيةِ لأن لا علاقةَ له بالموضوعِ، فحردَ ولم يُردّد الأغنيةِ معهم.

          وخطَر ببالِ دانية سؤالٌ يتعلّقُ بالستائرِ، هي التي تعشقُ كل ما يمتُّ إلى الديكور والقماشِ بصلةٍ، فسألت البائعَ: وهلْ تعتقد يا عمو أبو رضوان أنّ الستائر المصنوعة على طبقاتٍ كما نرى في القصورِ والبيوتِ الفخمةِ تزيدُ من محافظةِ البيتِ على برودتِهِ صيفًا ودفئِهِ شتاءً؟

          أجابَ: لا.. لا.. البطانةُ وحدها تكفي... أمّا ما نراهُ في القصورِ والبيوتِ الفخمةِ، فهناك من يعتني بنظافتِه من خدمٍ وحشمٍ ليس في بيوتنا منهم، ممّا يعني أن الستارة ستكون موئلاً لغبارٍ يتكوّمُ ويؤثّرُ على صحتكم، خاصةً أنّ أمهاتكم معظمهنّ موظفاتٌ.

          سألتْ شُوشُو: إذن؟

          فقالَ: ستارةٌ من القطن مبطّنةٌ سهلةُ الغسلِ هي كلّ ما تحتاجونَ إليه.

          اجتمع الكلُّ جانبًا وتداولوا في الأمرِ، وخرجوا بفكرةِ طرحَهَا هاني على عمو أبو رضوان: إذا أردْنا تغيير البياضاتِ والستائرِ في غرفةِ كلّ واحدٍ منّا، فهلْ تُرخّص لنا ثمن القماش؟

          أجابَ الرجلُ على الفورِ: أرخّصُ ثمن القماش لأعضاءِ نادي حماية البيئةِ طبعًا.

          صفّق الجميعُ، واتجهت دانية نحو الشاحنةِ تتأمّل لونها الأبيض من الخارجِ، وقالت:

          - وإذا قدّمنا لكَ عرضًا مغريًا آخر غير الشراءِ بالجملةِ؟

          لمْ يدرْ ما قصدتْ صغيرةُ المجموعةِ، ولمْ يدر أحدٌ ما يدورُ في خلدِها إلا حينَ فتحت ذراعَيْها قائلةً: نقدّم لك إعلانًا.

          فسألَها: كيف؟

          قالتْ: ارسم لكَ على الشاحنةِ شباكًا وعليه ستائر ملوّنة يطلُّ على غرفةٍ أنيقةٍ فيها شراشفٌ وأغطيةٌ تناسبُ لونَ ستائر الشباكِ.

          دُهشَ الجميعُ للفكرةِ، وعلقت بفخر: ونخطط لك فوقَ الشباكِ: «دكانُ البياضاتِ والستائرِ الصحية المتنقّلُ».

          وقفز هاني فقفزت معه خصلةُ شعرٍ جعدةٍ وقالَ: ونكتبُ بخطّ أصغر: «لصاحبِه عمو أبو رضوان».

          أمّا ربيع فقالَ: ونكتبُ أيضًا: «مؤسس نادي بياضات وبرادي حماية البيئة».

          وتخيّل الجميعُ الشاحنةَ حسب فكرة دانية وعلّقت شوشو: نحنُ في عصرِ الصورةِ وعصر الإعلان، وبدل أن يعتقد الناسُ أنّك تبيع البطاطا والبقدونس في شاحنتك التي بلا عنوان، سيعرفونكَ حينَ تطلُّ على أيّ حيٍّ من المدينةِ.

          وقالَ ربيع: وهكذا تُوفّر ثمنَ سكّر النباتِ الذي تبتلعهُ لتحسينِ صوتكَ الذي يصرخ ويصرخُ.

          وقالتْ شُوشُو: ونوفّر نحنُ ثمن شراءِ بياضاتٍ وستائرٍ بأثمانٍ عاديةٍ، عدا أننا سوفَ نقنع أهلنا وأهل الحيّ بتغيير كلّ قماش غير صحيّ إلى قماشٍ صحيّ.

          ودارتْ قمر حولَ الشاحنةِ تتأمّلها ثمّ قالت: أمّا أنا، فسوفَ أدلّك على مدينتي وسوفَ أستقبلك هناك لتقومَ بتغييراتٍ لا تقلُّ شأنًا عن التغييرات هنا.

          وسألهُ الجميعُ: موافقٌ يا عمو أبو رضوان؟

          قال دهشًا: موافق ولكن... هل يوافق أهلكم على مشاريعكم هذه؟

          قال الكلُّ: كلُّ واحدٍ منا يمتلكُ حصّالة نقود لتمويلِ مشاريعنا.

          ضحكَ العجوزُ قائلاً: آه... فهمتُ... أنتم مستقلون اقتصاديًا إذن، وهذا سرُّ قوتكم...

          قالت شوشو بفخرٍ: نمتلك أسرارًا لقوتنا لا سرّا واحدًا.

          وسارعَ إلى الدكان المتنقلِ، فلحقُوا بهِ يختارُ كلُّ واحدٍ منهم ما يناسبُ ذوقَه من قماشٍ قطنيّ صحيّ بأفضلِ المواصفاتِ.

          وكانوا يغنّون ويغنّي معهم:

          بطِّن الستارة

          واحفظْ الحرارة

          قماش القطن يا أولاد

          إرث حلو للأحفاد.

 


 

إيمان بقاعي   





غلاف هدية العدد