الحديقة.. ندى مهري

الحديقة.. ندى مهري
        

رسوم: عفراء اليوسف

          قرر حكيمٌ الولدُ الذكي وأصدقاؤه تأسيس موقع إلكتروني للأطفال وفكرته عبارة عن حديقة تجمع أجملَ الزهورِ، فبدأ الأولادُ في جمعِ الزهور المختلفةِ والمتنوعةِ الموجودةِ عبر أنحاء العالم لوضعها في حديقتهم الافتراضية وتطلّبَ هذا العملُ جهدًا وأيامًا طويلة من البحثِ والدراسةِ ومراسلةِ العديد من المراكزِ المتخصصة وأخيرا ظهر الموقعُ في حُلةٍ بهيةٍ وجميلةٍ وديكورٍ خرافي المنظر وأطلقوا على الحديقة اسم «حديقة الطفولة البريئة».

          ومرت الأيامُ والأولادُ سعداءٌ بهذا الانجازِ الذي لاقى استحسانًا من مستخدمي الانترنت عبر العالمِ والتف حوله الأطفالُ من مختلف الأجناسِ والأعمار.

          وذاتَ يومٍ بينما يفتح حكيمٌ كعادته موقعَ الحديقة وجد جميعَ الزهورِ التي تمثل أطفالَ العالم صفراء باهتة كأن فصلَ الخريفِ لازمها زمنًا من الدهر ولم يتركها وكأن الشمسَ الذهبية تحولت إلى سهامٍ شرسة وحارقة وخالية من أشعتها الدافئة وكأن الأرضَ التي تحضن هذه الأزهار بقلبها الأخضر تحولت الى أمٍ جافة المياه والشعور.

          بحث حكيمٌ وصديقهُ بيتر الذي تعرف عليه من خلال الدردشة عبر الإنترنت وساهم معه في تأسيس موقع الحديقة عن مصدر الفيروس الذي استهدف زهورَ الحديقة وحاولا محاربة هذا الفيروس بكل الامكانيات ولكن دون جدوى اذ يزداد الفيروس قوةً كل يوم.

          وفي مرة من المراتِ اتصل بيتر بحكيم يخبره أنه عرف مدبره وهو فتى مراهق عرض على بيتر أن يوقف مفعول الفيروس بشرط أن يساعده في علاج أمه المقعدة الفراش.

          يسأله حكيم: وهل ساعدته؟ ويرد بيتر؟ كيف أثق في ولد أضرَّ  بحديقتنا ربما تكون حيلة أخرى من حيله الشريرة والتي قد تستهدف كلَّ مواقع الأطفال.

          يواصل حكيم حديثه: وهل عرفت عنوانَه؟ فيجيبه بيتر بالايجاب.

          روى حكيم لجده صالح الذي يحبه كثيرًا ما حدث من البداية إلى النهاية فقال له جده: لنسافر اليه ونتأكد من الحقيقة.

          سافر حكيمٌ وجده الى بلاد بيتر والفتى الذي أضرَّ بالحديقة وذهبوا الى بيته وعندما دخلوا وجدوا صبيًا حزينًا مقعدا على كرسي متحرك بجانب والدته المريضة.

          تأثروا كثيرًا لمنظرِ البيتِ الكئيبِ والفقيرِ وبسرعة نقلوا والدة الصبي الى المستشفى لتلقي العلاج، وأيضا أجرى الصبي عملية جراحية جعلته بعد شفائه يعاود السير من جديد.

          بتوفيق من الله شفيت أمهُ واستطاع الفتى المشي من جديد ولم يصدق الصبيُّ التغييرَ الذي حدث في حياته فشكرهم على حسن صنيعهم واعتذر كثيرا منهم وسألوه عن سبب تعرضه لتدمير موقع الحديقة فأجاب الصبي:

          كنت ولدًا معزولاً لا صديقَ لدي غير التلفزيون والانترنت فمنذ أن عرف والدي بأنني ولدٌ مشلولٌ هرب وتركني وأمي وحيدين في هذا العالم.

          وفي تلك الأثناء سمعوا صوتًا يتصاعدُ: «لا يابني لم أتخل عنك كما تصورت لقد سافرت لأجد عملا وأوفر لك المال الكافي لمعالجتك ولقد تعرضت لحادث هناك أفقدني الذاكرة لفترة وبمجرد أن استعدتها رجعت اليك وأمك».

          عمت الفرحةُ بيت الفتى المراهق وهكذا طويت صفحة الفيروس من ذهنه وعادت الحديقةُ الافتراضية متلألئة مزدهرة من جديد بعدما نزعت منها كلُّ الحشائشِ الضارة وأصبح الفتى نفسه مسئولاً عن الحديقة يحارب كل الفيروسات التي تهددها بفضل عبقريته في عالم الانترنت.

 


 

ندى مهري