بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي
        

عاشقا الجِمال الخضراء

          إنهم لا يدرسون الزراعة في كلية الحقوق، طبعا، لكن خريج كلية الحقوق الذي صار قاضيا، المستشار ثروت بدوي، وقع في حب نبات الصبّار منذ كان طالبا في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وجعله هذا الحب يتعمق في معرفة الكثير من أسرار هذا النبات المدهش، كيف ينمو، أين ينمو، ما أنواعه، كيف يمكن إكثاره. وبموازاة هذه المعرفة كان يجمع ويرعى أنواعا من الصبار مختلفة، ويسعى للحصول عليها من كل بقاع العالم. وعندما تزوج السيدة نوال الريس التي تعمل في مجال السياحة، نقل إليها حب نباتات الصبار. صار مشهورا بلقب «عاشق الصبار»، وصارت هي « سيدة الصبار ». 

          ومن فرط حبهما للصبار، قررا أن يتيحا للناس التعرف على هذا الكنز الجميل الذي تزخر به صحراء العرب، وصحراوات العالم. فبعد ثلاثين عاما من هواية جمع ورعاية وإكثار الصبار، صارت لديهما مزرعة تضم اثني عشر نوعا من أنواع هذا النبات، وهي تقارب نصف عدد الأنواع الموجودة منه في العالم أجمع، ولا يكاد يمتلك مثلها أي من محبي الصبار في العالم. ووجد عاشق الصبار وسيدة الصبار أنفسهما يغرقان تماما في حب هذا النبات، حتى أنهما تركا وظيفتيهما ليتفرغا لرعاية مزرعتهما العالمية ، ويتيحا للناس بالمجان أن يطلعوا على معجزة هذا النبات الفذ، فالصبار نبات عبقري من نباتات الصحراء، لديه قدرة عجيبة على الصبر، يواجه ندرة الماء باستهلاك القليل القليل منها، وإذا سقطت الأمطار الشحيحة يختزن منها للأيام ما يعينه على سنوات الجفاف التي تطول، أما قوة احتماله للهيب الشمس في الصحارى الحارة، فلا تدانيها إلا قوة احتمال الجِمال. وهو بالفعل أقرب شبها بالجمال، وإن كان لايتحرك مثلها، لكنه مثلها يصبر على العطش والقيظ، وهو يتفوق عليها بالجَمال الذي لايصدق وجوده إلا من يرى الصبار في مزرعة عاشق الصبار، أشكالا مذهلة التنوع، والأكثر روعة من تنوع الأشكال هو تنوع الزهور التي يجود بها هذا النبات في مواسم إزهاره، فهي مرهفة كأنها من حرير، ومبهجة كأنها تحمل شفافية ألوان قوس قزح. أما فائدة هذه النباتات المدهشة الجميلة، فيعرفها علماء الصيدلة والطب، إذ يستخلصون منها مئات العقاقير، خاصة تلك التي تحافظ على صحة وجمال البشرة والشعر. فكأن جمالها يصون جمال الإنسان، ويذكرنا نحن العرب، بأن صحارينا الشاسعة ليست جرداء تماما، ولا جهمة، بل هي مليئة بالجمال، وغنية بحكمة الطبيعة التي أبدعها أحكم الحكماء.

 


 

محمد المخزنجي