مروءة العربي

مروءة العربي
        

رسوم: محسن أبو العزم

          تستعدُ أسرةُ خليل لحضور حفل سباق الخيل في نادي الجواد العربي. لقد شَعُرَتْ أم خليل بحبهِ الشديد للخيل وركوبهِ منذُ سنواتهِ الأولى، إنه عضوٌ في النادي منذُ سنتين وهوَ اليومَ في الصفِّ الخامس.

          ينادي خليل: أمي أسرِعي لقدْ تأخرنَا.

          استقلَّ الجميع السيارة، يشاهدُ خليل من بعيدٍ الأعلامَ الملونةَ ترفرفُ في سماءِ المكانِ، بعد الوصول تتابعُ الأسرة استعدادَ الفرسان للسباق، تقرأ «هلا» لافتةً زُينت بالقول المأثور: «علمُوا أولادَكم السباحة والرمايةَ وركوبَ الخيلِ».

          لقد سبقَ أن حضرَ خليل عدة سباقات، وهو يتمنى فوزَ الفرس الأصيلة (سِتْ البنات)، يمتطيها فارسها الشاب (مهند).

          تنتهي الاستعدادات، يجلس كل شخص في مكانِهِ، تستعدُ الخيول المشاركة للوقوف في أماكنها المخصصة. تدوي طلقة البداية.

          يصيح خليل بصوت عالٍ: ست البنات... ست البنات...

          ينتهي الشوط بفوز ستّ البنات، يتعالى صوت خليل مُهللاً.. يتسلم الفارس درع الفروسية، ينزل خليل مع والده إلى حلبة السباق، يهنئ الفرسَ والفارس.

          خليل: كم أتمنى أن أصبح فارسًا... ينظر بزهو نحو «ست البنات» التي زُيِّنَ عُنقها بإكليل الشرائط الملونة، ثم يرفع بصره نحو فارسها الذي يحمل درع الفوز كأنهُ قائدٌ مغوارٌ.

          يستقل الجميع السيارة عائدين إلى المنزل... يحلق خليل بعيدًا بخياله... يسمعُ صوتَ أمهِ: خليل... خليل... أين شَرَدَتْ أفكارُكَ؟

          خليل: مع الفرسِ والفارسِ يا أُمي.

          أم خليل: سأروي لكَ الليلة حكايةً تحبها، إنها حكاية (مروءة العربي).

          خليل: حقًا؟ وما هي المروءة يا أمي؟

          الأم: إنها محاسنُ الأخلاقِ وجميلُ العادات، وهي كمالُ الرجولةِ.

          انتظرَ خليل بفارغ الصبر سماع الحكاية... أمي.. أمي.. أسرعي، أنا في فراشي، تبتسمُ الأم وهي تحمل كتابًا يحوي قصصًا ومختاراتٍ من لُغتنا الجميلةِ... إنها حكايةُ السماحةِ والمروءةِ.. وبصوتٍ دافئ تقرأ: «أمضى الفارسُ العربيُ في المدينة عشرينً يومًا، ثم غادرها في ضحى يوم قائظ. كانت نفسه منبسطة، وكان قلبهُ منشرحًا بقرب العودة إلى البيتِ والأهلِ.

          ومضى في طريقهِ ممتطيًا جوادَه، مَزهُوًا به، لأنه جوادٌ عربيٌ كريمٌ، لم يجرِ في الحلبة مرة إلا أتى سابقًا. والجوادُ عزيزٌ على صاحبهِ العربي، فهو رمزُ الفتوةِ والفروسيةِ، والعربي رفيقٌ بالحيوان الذي يخدمه في حِلّه وتِرحالِهِ.

          ارتفعت الشمس حتى بلغت كَبِدَ السماء، وصار الحرُّ شديدًا، حتى كأن رمال الصحراء جمرٌ متوقدٌ. وفي الطريق،  التقى رجلاً أرهقهُ الحرُّ. كان الرجل حافيًا، والرمالُ حارقة تحت قدميه. فترجّل الفارس، ودعا ذلك الرجل ليركب الجواد. فامتطاهُ شاكرًا حامدًا، داعيًا له بطول البقاء.

          ولم يسيرا سوى لحظاتٍ، حتى نَهزَ الرجل الجواد، فانطلق يعدو به.

          وعندَ ذاكَ تبيّنَتْ للفارس حقيقةُ الأمر، لقد كان الرجل لصًا محتالاً، قد سرق الجواد العزيز الحبيب. فأطرق الفارسُ قليلاً ثم صاحَ بأعلى صوتِهِ: «يا رجلٌ! يا أخي! قِفْ وخذ عني هذه الكلمات».

          أوقف اللص الجواد، وأنصت للفارس الذي قال: «الحصان حلال عليك يا أخي، ولكني أرجوك أن تكتمَ هذا الأمر عن الناس، لئلا ينتشر الخبر بين قبائل العرب، فلا يغيثُ القويُ الضعيفَ، ولا يَرقُّ الراكبُ للماشي، فتصبح الصحراءُ خاليةَ من المروءة ويزول بزوالها أجملُ ما فيها. فإنَّ المروءة زينةُ الصحراءِ، والصحراءُ منزلُ الكرمِ والجودِ والفتوة».

          ويا للدهشة، لقد عاد اللص حزينًا آسفًا، وأقبل على الفارس خجلاً وقلبه ممتلئ بالندم، وقال للفارس: «إن الكرَم خُلقٌ نبيلٌ، وإن الصفحَ طبعُ الكرامِ. فاصفحْ عن زَلّتي. إني أعيدُ إليك جوادَكَ أيها الفارسُ النبيلُ، خَشْيَةَ أن يُقالَ: إن عربيًا أساءَ لِمَنْ أحسنَ إِليه، فضاعت المروءةُ في رمال الصحراء».

          تنتهي الأم من سردِ الحكاية... يُسلم خليلٌ نفسَهُ للنوم، يَحْلُمُ بأنه ذلك الفارس العربيّ، يُجَمِّلُ الصحراء مروءةً وسماحةً.

 


 

رجاء نمر الظاهر