حديقة أشجار المنمنمات.. أشرف أبو اليزيد

حديقة أشجار المنمنمات.. أشرف أبو اليزيد

ابتسامة الفلاح العجوز بوم يونج سانج تشبه ابتسامة زهرة عباد الشمس، ناصعة وصافية وصادرة من القلب. حين نقول إن ابتسامته صادرة من القلب، أي أنها صادقة، تحمل الفرح والحب لكل من يراها.

أين يسكن الفلاح العجوز المبتسمُ بوم يونج سانج؟ إنه يقيم اليوم في جزيرة جيجو، التي تتبع كوريا الجنوبية، وتقع قرب شواطئها، مثلما تقع بين مياه الصين واليابان. لكنه قبل 36 عاما كان يقيم في مدينة سيئول، عاصمة جمهورية كوريا الجنوبية الآن.

لكي ترى الفلاح العجوز المبتسمُ بوم يونج سانج ستمر بحقول الشاي الأخضر إلى أن تصل إلى حديقته التي أسماها «الحديقة الروحانية»، وهي أجمل حدائق العالم من نوعها.

على باب الحديقة ستتعرف إلى تفاصيل القصة: قبل أكثر من 36 عاماً ترك الفلاح الشاب بوم يونج سانج مدينة سيئول، متوجها إلى الجنوب، حيث يعبر البحر إلى جزيرة صغيرة هي جيجو. يختار سانج بقعة أرض لا تنمو فيها أية نباتات. ربما اختارها كذلك ليكون سعرها رخيصا. وقرر سانج أن يزرع هذه الأرض، وقابلته عاصفة من الاعتراض، فقد اعتبروه مجنونًا دون شك.

كان فن الأشجار المنمنمة «بانجائي» هو الفن الذي أحبه الفلاح العجوز المبتسمُ بوم يونج سانج. فحين كان في مثل سنكم، كان يختلس النظر إلى حديقة رجل عجوز من جيران والده، يمنع الأطفال من دخول حديقته.

يقرر الفلاح العجوز المبتسمُ سانج أن يصمم حديقة يدخلها كل الناس. واختار أن يربي الأشجار ويؤقلم شكلها مع الرياح التي تهب على جزيرة جيجو، وأن ينسق الأحجار حولها، ويصمم أنهارا وقنوات صغيرة لتجري المياه من تحتها، ليصنع تلك المعجزة الخضراء، التي يزورها سنويا مئات الآلاف، ومنهم قادة الدول كالزعيم الصيني جيانج زامين، وحتى مشاهير العالم كاللاعبة المغربية نوال المتوكل، التي قرأتم عنها قبل شهور في هدية مجلتكم العربي الصغير.

في الحديقة حوض من الأسماك الملونة العملاقة، حين تداعبها وأنت تستلقي بجوارها ستحس أنك داخل حوض عظيم للأسماك، كأنك أليس في بلاد الأسماك والعجائب!

الأشجار المنمنمات (الصغيرة والدقيقة جدًا) تتخذ هيئة الأشجار العملاقة رغم أن أحجامها لا تزيد على نصف متر في معظم الأحيان. مئات الأشجار، ولكن، لا شجرة تشبه الأخرى. إنها نموذج للأشجار الوفية التي ترد الجميل لصاحبها، بعد أن وهب عمره لها، في جيجو.

بعض الأشجار لها ثمار، والبعضُ الآخر يتحرك إذا لمسته أو اقتربت منه، والبعض يصعد إلى أعلى، والبعض الآخر يتسلل إلى أسفل! والألوان أيضا في هذه الأشجار، كما ترون أصدقائي وصديقاتي قراء وقارئات العربي الصغير، هي مختلفة أشد الاختلاف، فلا تكاد شجرتان تتشابهان أبدًا.

بدأ الفلاح العجوز المبتسمُ سانج بناء الحديقة بمفرده: يحفر القنوات المائية بيديه، يرفع الأسوار بساعديه، يجهز التربة الطينية بجاروفه، ولهذا أخذ ذلك الجهد منه سنوات. وحين بدأ مشروع الحديقة يثمر، ويزيد زواره، الذين يدفعون رسوما زهيدة للدخول إلى هذا العالم الجميل، استطاع الفلاح العجوز المبتسمُ سانج أن يزيد العاملين واحدًا واحدًا، ومنهم سيدات يروين النباتات على مساحة الحديقة الكبيرة.

كتب الفلاح العجوز المبتسمُ سانج سيرته الذاتية في كتاب، طبع أولا باللغة الكورية، ثم ترجم إلى اللغة الإنجليزية، وقد قرأت الكتاب، ومن بين أجمل العبارات التي قالها: إن أسعدَ لحظاتِ حياتي هي حين أرى الناس يبتسمون في سعادة وهم يزورون الحديقة. وأنا أعتقدُ أنه لا يوجد شيء أجمل من أن تهب (تقدِّمَ) الناس السلام والمتعة، وهذا ما فعلتُه بواسطة حديقتي.

في شهر الربيع، حكيت لكم قصة الفلاح العجوز المبتسمُ سانج، وليتنا نفعل مثله، وإذا كنا لا نستطيع بناء حديقة، فإن إسعاد الآخرين من حولنا له أكثر من طريقة.

 


 

أشرف أبو اليزيد