العالم يتقدم

العالم يتقدم

الضوضاء تدمّر البيئة

كثير منا يستيقظ عادة على صوت المنبه أو الموسيقى المنبعثة من المذياع، وبالتأكيد أنك لا تترك المنبه يرن، لأن صوته عال جدًا، وربما يضايقك صوت منبهك هذا، وكذلك فإنه يزعج الآخرين تمامًا مثل الموسيقى الصاخبة. ويطلق على الصوت العالي المزعج «ضوضاء»، واستمرار الضوضاء يؤدي إلى أحد أخطر ملوثات البيئة - بجانب تلوث الهواء والماء - وهو «التلوث السمعي» الذي يضر بصحة الإنسان وراحته.

خطورة التلوث السمعي

كل إنسان لديه قدرة مختلفة على احتمال الضوضاء، ويعني ذلك أن شخصًا ما قد يضايقه ضوضاء مرور السيارات المنخفض نسبيًا، بينما يمكن لشخص آخر أن يحتمل ضوضاء أعلى بكثير، وتتأثر قدرة الشخص على احتمال الضوضاء، حسب اعتياده عليه أو تأقلمه معه، بالإضافة إلى نوع الضوضاء ومستواها السائد عمومًا حولنا في ذلك الوقت.

وهناك أعمال وأنشطة معينة تؤثر في قدرتك على تحمل الضوضاء. فعلى سبيل المثال إذا أردت أن تنام أو تؤدي واجبك الدراسي المنزلي، ربما يعمل هذا على تقليل قدرتك على تحمل الضوضاء، عما تكون عليه عند مشاهدتك التلفاز أو عند استماعك إلى الموسيقى التي تفضلها.

ويمكن للتلوث السمعي، أن يربك عملنا وتركيز أفكارنا وراحتنا ونومنا، كما أنه قد يسبب الاجهاد والتوتر. ويؤدي في النهاية إلى مشاكل صحية للإنسان، وبلاشك أننا جميعًا يجب أن نشارك في البيئة الهادئة. فهي مكان رائع للراحة، كما أنها تشجع على الاسترخاء، مما ينشئ مجتمعاً أكثر صحة وسعادة. ولكن كيف يضر التلوث السمعي بصحتنا؟ تسألني فأجيبك:

  • ضعف أو فقد القدرة على السمع، فالضوضاء تؤذي طبلة الأذن وقوقعة الأذن الداخلية، التي تقوم بتحويل الذبذبات الصوتية إلى إشارات عصبية، تمر في عصب السمع إلى الدماغ.
  • أمراض القلب، فالضوضاء تسبب إجهادًا، والجسم يستجيب لها بزيادةعدد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم واضطراب في وظائف الغدد والأعصاب وسوء الهضم والقرحات.
  • النوم القلق، فالضوضاء تؤثر في مدة ونوعية النوم، وعندما يضطرب النوم، تعاني صحة الإنسان وكفاءة ما يقوم به من أعمال مثل استذكار الدروس.
  • السلوك العنيف، فعندما تكون الضوضاء عالية جدًا ولا يمكن التنبؤ بها، فإن هذا ينعكس على الأشخاص الذين يتعرضون لها. فتصبح تصرفاتهم عصبية وتعريض الناس للأخطار، فالضوضاء يمكن أن تغطي على إشارات التحذير. مما يسبب وقوع الحوادث، كما أن الضوضاء قد تخفي صيحات الاستغاثة أو طلب المساعدة لأي إنسان في خطر.

والتلوث السمعي، هو ضجيج من صنع الإنسان ويسبب الضرر له، وتعد وسائل النقل أسوأ مسببات الضوضاء، حيث تصدر الطائرات وعربات السكك الحديدية والشاحنات والباصات والسيارات والدراجات النارية، ضوضاء بالغة الشدة. كما أن معدات وآلات الإنشاءات المعمارية مثل مثاقيب الهواء اليدوية والجرّافات... إلخ. تصدر تلوّثًا سمعيًا جوهريًا.

شدة الأصوات متضاعفة

تقاس شدة الأصوات بوحدات «ديسيبل». وقد أطلق عليها هذا الاسم تيمنًا بمخترع الهاتف (ألكسندر جراهام بل) (1847 - 1922م). وقياس الديسيبل متضاعف، فمثلاً كل زيادة مقدارها 10 ديسيبل تمثل زيادة بعشرة أضعاف في شدة الصوت. وكذلك فإن تقبّل الإنسان للأصوات العالية متضاعف أيضًا. فكل زيادة مقدارها 10 ديسيبل يحس بها الإنسان كتضاعف ارتفاع الصوت. وهكذا فإن صوتًا شدته 30 ديسيبل يعتبر أقوى 10 مرات من صوت شدته 20 ديسيبل، وأعلى منه مرتين في الارتفاع. وهكذا يكون الصوت الذي شدته 40 ديسيبل، يعتبر أقوى 100 مرة من صوت شدته 20 ديسيبل، وأعلى منه في الارتفاع 4 مرات. ويطلق على هذا التضاعف «مقياس لوغاريتمي».

ولو تعرض الإنسان العادي إلى ضوضاء شدتها 45 ديسيبل، فإنه لا يستطيع النوم. وعندما تصل شدة الضجيج إلى نحو 100 ديسيبل، فإن الأذن تشعر بالألم، ولو زادت الشدة عن ذلك. فإن جهاز السمع يتلف وقد يصاب الإنسان بالصمم.

كذلك فإن مدة التعرض للضوضاء تكون مؤثرة، فهناك دليل على أنه بين الأطفال والنشء تقل حاسة السمع عامًا بعد آخر، بسبب التعرض للضوضاء، بما في ذلك الصوت المرتفع للتلفاز والمذياع والموسيقى الصاخبة، الصادرة عن أجهزة الصوت المجسم الرقمية وغيرها.

وهناك وسيلتان معروفتان لحماية الإنسان من التلوث السمعي هما: سدّادات وواقيات الأذن. وهاتان الوسيلتان متوافرتان بأشكال كثيرة، تختلف من حيث الاستخدام والفاعلية والجودة.

العلم... يكافح الضوضاء

وقد ابتكر العلم الحديث وسائل للسيطرة على الضوضاء بقدر الإمكان:

  • من المعروف أن ضوضاء الطرق، هي أكثر أنواع التلوث السمعي انتشارًا في العالم. وهناك مجموعة من الابتكارات العلمية لتقليل مستويات الصوت الضارة تشمل استخدام عوازل للصوت للحد من ضوضاء عوادم السيارات، وتقييد سرعات السيارات وإعادة تخطيط وتصميم الطرق السريعة لتصبح أكثر نعومة واستعمال وسائل تحكم مرورية إلكترونية حديثة، تساعد على انسياب السيارات بسلاسة دون الحاجة لاستخدام آلات التنبيه بصفة مستمرة، وتصميم إطارات سيارات جديدة أفضل بحيث لا تحدث ضوضاء.
  • يمكن تخفيض ضوضاء الطائرات إلى حد ما، بتصميم محركات نفاثة ذات تشغيل أكثر هدوءًا، وتعديل مسارات الطيران ووقت استخدام ممرات لإقلاع والهبوط نهارًا.
  • تميز تعرض العمال للضوضاء (الضوضاء الصناعية)، بأقدم تاريخ من الدراسات العلمية بهدف تخفيضها. ونتج عن هذه الدراسات وجود حواجز بين العمال في مواقع العمل وإنشاء مجموعة من معدات امتصاص الصدمات وإعادة تصميم الأجهزة والآلات الصناعية حتى لا تصدر عنها ضوضاء.

وقد أصدرت بعض الدول قوانين لحماية صحة الناس وراحتهم ووضع معايير الضوضاء المنبعثة من مصادر الإزعاج الرئيسية في البيئة، والتوصية بالقوانين والنظم اللازمة للسيطرة على الضوضاء، كما تعمل إدارات السلامة والصحة المهنية على تقليل معدلات الضوضاء بمقار العمل.

  • إعادة تخطيط المدن والعواصم الحضرية على أساس علمي، بحيث يساعد على تخفيض الضوضاء، حيث إن تجاور المناطق الصناعية مع البيوت السكنية، غالبًا ما يؤدي إلى التلوث السمعي ومن ثم نتائج ضارة للسكان.

 


 

رءوف وصفي