ابن النفيس

ابن النفيس

رسوم: عمرو طلعت

مَوْلِدُ عَالِمٍ

فِي بِيئَةِ الشَّامِ الْغَنَّاءِ وَعَلَى ضِفَافِ نَهْرِ بَرَدَى الْخِصْبَةِ الْمِعْطَاءِ وُلِدَ وَتَرَعْرَعَ عَلاءُ الدَّينِ عَلِيٌّ بنُ أَبِي الْحَزْمِ القُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّمائَة لِلْهِجْرَةِ الْمُوَافِقَةَ لِعَشْرٍ وَمائَتَيْنِ وَأَلْفٍ لِلْمِيلادِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي ضَاحِيَةٍ مِنْ ضَوَاحِي دِمَشْقَ الْفَيْحَاءِ، كَانَ عَلاءُ الدِّينِ نَحِيفَ الْجِسْمِ، مَمْشُوقَ الْقَامَةِ، ذَا مُرُوءَةٍ، وَعَلَى خُلُقٍ رَفِيعٍ، وَأَدَبٍ جَمّ، وَسَرِيرَةٍ طَيِّبَةٍ، وَخِصَالٍ حَمِيدَةٍ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظَافِرِهِ، دَرَسَ الطِّبَّ عَلَى أَيْدِي أَئِمَةِ الطِّبِّ وَعَمَالِقَتِهِ فِي عَصْرِهِ وَمِنْهُمُ الطَّبِيبُ الْمَشْهُورُ مُهَذَبُ الدِّينِ الدُّخْوَارُ الَّذِي كَانَ يَرْعَى صِحَّةَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ فِي دِمَشْقَ، كَانَ الدّخْوَارُ فَرِيداً فِي عَصْرِهِ وَمُتَمَيِّزَاً بِعُلُومِ دَهْرِهِ وَعَلامَةً فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ رَئِيسَاً لِلْبِيمَارِسْتَانِ النُّورِيِّ، أَمَّا تِلْمِيذَهُ النَّجِيبُ عَلاءُ الدِّينِ فَسُرْعَانَ مَاتَوَلَّى إِدَارَةَ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ ذَلِكَ المَشْفَى، وَصَارَ أُسْتَاذَاً مُتَمَيِّزَاً فِي مَجَالاتٍ عِدَّةٍ، وَلُقِّبَ بِابْنِ النَّفيس لِنَفَاسَةِ عَقْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَصَارَ لَهُ تَلامِيذُهُ فِي الشَّامِ رُغْمَ صِغَرِ سِنِّهِ.

لَقَدْ سَطَعَ نَجْمُ ابنِ النَّفِيسِ وَتأَلَّقَ بَرِيقُهُ وَعَلا عَلى الآَخَرِينَ بِجُهْدِهِ وَعِلْمِهِ رُغْمَ وَفْرَةِ الأَطِبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الأَجِلاءِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الزَّاهِيَةِ مِنْ حَضَارَتِنَا.

مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْقَاهِرَةِ

كَانَتْ مِصْرُ تُجَارِي الشَّامَ بِازْدِهَارِهَا وَعُلُومِهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، وَفِي مَجَالِ الطِّبِّ كَانَ لَهَا بَاعُهَا الطَّوِيلُ، فَقَدِ احْتَضَنَتْ جَنَبَاتُهَا الْبِيمَارِسْتَانَ النَّاصِرِيَّ (الْعَتِيقَ) الَّذِي بَنَاهُ النَّاصِرُ صَلاحُ الدِّينِ، وَقَدْ نَزَلَ ابنُ النَّفِيسِ مِصْرَ قَادِمَاً مِنْ دِمَشْقَ بِنَاءً عَلَى دَعْوَةِ حُكَّامِهَا الأَيُوبَيِينَ، وَكَانَ يَوْمَهَا فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِ فَقَدْ كَانَ عُمْرُهُ نَحْوَ سِتّ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى أَرْجَحِ الرِّوَايَاتِ.

كَانَتْ صَنْعَةُ الطّبِّ رَائِجَةً فِي مِصْرَ، وَكَانَتْ مَصْدَرَاً لِلْكَسْبِ الْوَفِيرِ، وَوَظِيفَةً مَرْمُوقَةً، وَطَرِيقَاً لِصَاحِبِهَا نَحْوَ مَجَالِسِ الْمُلُوكِ وَالأُمَرَاءِ، وَكَانَتْ مَشْفَيَاتُ مِصْرَ يَوَمَئِذٍ بِحَقّ مِنْ أَرقَى الْمَشْفَيَاتِ فِي الْمَعْمُورَةِ لِسَعَتِهَا وَانْتِظَامِ دَوَامِهَا وَشُمُولِيتِهَا وَكَفَاءَةِ العاملين فِيهَا، وَكَانَ ابنُ النَّفِيسِ يَنْثِرُ أَرِيجَهُ وَيَجُودُ بِمَعَارِفِهِ حَيْثُمَا حَلَّ، فَقَدْ مَارَسَ الطّبَّ فِي الْمَشْفَى النَّاصِرِيِّ وَصَارَ لَهُ تَلامِيذُهُ فِي أَرْجَاءِ مِصْرَ، وَلَمْ تَمْضِ إِلا فَتْرَةٌ وَجِيزَةٌ حَتَّى أَصْبَحَ عَمِيداً لأَطِبَاءِ ذَلِكَ الْمَشْفَى، وَرَئِيسَاً لأَطِبَاءِ مِصْرَ كُلِّهَا، وَاسْتَمَرَ يَحْمِلُ هَذَا الْلَقَبَ بِجَدَارَةٍ حَتَّى وَفَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَجَبَاً أَنْ يخْتَارَهُ السُّلْطَانُ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ مَلِكُ مِصْرَ وَالشَّامِ لِيَكُونَ طَبِيبَهُ الْخَاصَّ طَوَالَ السَّنَوَاتِ الاثْنَتَيْنِ وَالْعِشْرِينَ الأَخِيرَةَ مِنْ عُمُرِهِ.

كَانَ لابْنِ النَّفِيسِ فِي الْقَاهِرَةِ دَارٌ رَائِعَةٌ فَسِيحَةٌ سَارَتْ الرُّكْبَانُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهَا، وَكَانَ مَجْلِسُهُ يَحْفَلُ بِالأُمَرَاءِ وَأَكَابِرِ الأَطِبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَعِلْيَةِ الْقَوْمِ، وَكَانَ يُوَفِّرُ الْمَالَ لِذَلِكَ مِنْ الرَّيْعِ الَّذِي تَدِرُّهُ أَمْلاكُهُ الْوَاسِعَةُ، وَكَانَ يَزْرَعُ الطَّرِيقَ جِيئَةً وَذَهَابَاً بَيْنَ دَارِهِ وَمَدْرَسَتِهِ وَبِيمَارِسْتَانِهِ، وَالْقَوْمُ يَتَلَقَّوْنَهُ بِالتَحِيَةِ وَالتَّرْحَابِ لِدَمَاثِةِ خُلِقِهِ وَرَفِيعِ أَدَبِهِ.

استَمَرَ طَبِيبُنَا يَعْمَلُ فِي الْبِيمَارِسْتَانِ النَّاصِرِيِّ شَطْرَاً مِنْ حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ أَنِ ابْتَنَى السُّلْطَانُ الْمَنْصُورُ قَلاوُونَ الْبِيمَارِسْتَانَ الْمَنْصُورِيَّ (الْجَدِيدَ) أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ، وَبَادَلَ ابنُ النَّفِيسِ الْعَطَاءَ بِالْمِثْلِ فَقَدَّمَ كُلَّ مَايَسْتَطِيعُ مِنْ عَمَلٍ وَخِبْرَاتٍ، كَمَا وَقَفَ كُتُبَهُ وَمَكْتَبَتَهُ النَّفِيسَةَ وَدَارَهُ الْجَمِيلَةَ وَكُلَّ أَمْلاكِهِ لِذَلِكَ الْبِيمَارِسْتَانِ الْجَدِيدِ.

صِفَاتُ الْعَالِمِ

كَانَ ابنُ النَّفِيسِ وَاسِعَ الاطِّلاعِ، يَقْرَأُ الْكَثِيرَ، وَيَكْتُبُ بِلا كَلَلٍ وَلا مَلَلٍ، وَكَانَ سَرِيعَ الْكِتَابَةِ كَأَنَّهُ السَّيْلُ إِذَا انْحَدَرَ، كَانَ وَافِرَ التَّصْنِيفِ، وَمِنْ عَادَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ يُهَيِّئْ عَدَدَاً مِنَ الأَقْلامِ الْمَبْرِيَّةِ كُلَّمَا بَدَأَ الْكِتَابَةَ كَيْ لا يَتَأَخَرَ عَنْ تَسْجِيلِ الأَفْكَارِ الَّتِي تَمْلأُ رَأْسَهُ، وَكَانَ يُدِيرُ وَجْهَهُ لِلْحَائِطِ أَثْنَاءَ التَّدْوِينِ.

أَمَّا طَرِيقَتُهِ فِي التَّأْلِيفِ فَقَدْ كَانَ يَكْتبُ وَيُصَنِّفُ مِنْ خَاطِرِهِ وِمِمَّا يَحْفَظُهُ وَمِنْ تَجَارِبِهِ وَمُشَاهَدَاتِهِ وَاسْتِنْتَاجَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَقَبَّلُ الأَشْيَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَنْقُولَةً عَنْ مَشَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ إِلا بَعْدَ مُنَاقَشَتِهَا وَاخْتِبَارِها، فَقَدْ كَانَ يُمَحِّصُ الآَرَاءَ وَيَدْرُسُهَا وَيُسَلَّطُ عَلَيْهَا عِلْمَهُ وَمَنْطِقَهُ وَخِبْرَتَهُ فِإِنِ اجْتَازَتِ امْتِحَانَهُ أَخَذَ بِهَا، وَإِذَا وَجَدَ بِهَا الْخَطَأَ أَوْ أَحَسَّ شُذُوذَهَا نَبَذَهَا وَدَعَا النَّاسَ لِتَجَنُّبِهَا، لَقَدْ كَانَ سَابِقَاً لِعَصْرِهِ وَمُسْتَقِلاً بِتَفْكِيرِهِ وِآَرِائِهِ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى الْعَقْلِ فِي الْمُلاحَظَةِ وَالتَّجْرِبَة.

إِنَّ الأَطِبَّاءَ يَمِيلُونَ لِرَأْيٍ دُونَ آَخَرَ، وَقَدْ كَانَ هَوَى ابنُ النَّفِيسِ مَعَ أَبُقْرَاطَ أَبِي الطَّبِ، وَكَانَ يُجِلُّهُ، كَمَا كَانَ يَحْتَرِمُ الرَّئِيسَ ابنَ سِينا، وَتَرْبِطُهُ عَلاقَةٌ خَاصَةٌ بِمُؤَلَفَاتِهِ، وَعَلَى رَأْسِهَا كِتَابُهُ «الْقَانُونُ» فِي الطِّبِ الَّذي حَفِظَهُ وَيَسَّرَهُ وَشَرَحَهُ فِي عِشْرِينَ مُجَلَّداً وَوَجَّهَ طُلابَهُ لَهُ، وَلِاهتمامه بِمُؤَلَّفَاتِ ابنِ سِينَا سُمَّيَ «ابنَ سِينَا الثَانِي»، كَمَا أَلَمَّ بِمُؤَلَّفَاتِ جَالِينُوسَ، وَكَانَ وَاثِقَاً مِنْ نَفْسِهِ لِدَرِجَةٍ كَبِيرَةً، وَلِذَا كَانَ يَقُولُ: «لَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ تَصَانِيفِي تَبْقَى مُدَّةَ عَشْرَةِ آَلافِ سَنَةٍ مَاوَضَعْتُهَا».

وَمِنْ طَرِيفِ أَخْبَارِهِ أَنَّهُ كَانَ ذَاتَ يَوْمً مُنْهَمِكَاً بِدَلْكِ جِسْمِهِ بِالصَّابُونِ فِي أَحَدِ حَمَّامَاتِ الْقَاهِرَةِ الَّتي كَانَ فِيهَا آَنَذَاكَ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍٍ وَمائتَي حَمَّامٍ، فَخَطَرَتْ لَهُ فِكْرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّبْضِ، فَخَرَجَ مِنْ حَوْضِ الْحَمَّامِ عَلَى حِينِ غَرَّةٍ إِلَى الْقَاعَةِ الْخَارِجِيَّةِ، وَطَلَبَ وَرَقَاً وَقَلَمَاً وَمِدَادَاً، وَرَاحَ يَكْتُبُ رِسَالَتَهُ عَنِ النَّبْضِ، فَلَمَّا فَرِغَ مِنْ ذَلِكَ قَفَلَ عَائِدَاً إِلَى الْحَمَّامِ، وَكَأَنَّ شَيْئَاً لَمْ يَكُنْ.

مَوسُوعَةٌ تَمْشِي عَلَى قَدَمَيْنِ

كَانَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِ بِحَارَ عُلُومٍِ وَبَسَاتِينَ مَعْرِفَةٍ، وَكَانَ ابنُ النَّفِيسِ بَحْرَاً مِنْ تِلْكَ الْبِحَارِ بَلْ كَانَ مُحِيطَاً لَيْسَ فِي الطِّبِّ فَحَسْبُ بَلْ فِي عُلُومٍ جَمَّةٍ، فَقَدْ أَحَاطَ بِفَلْسَفَةِ الإِغْرِيقِ وَابنِ سَينَا، وَتَبَحَّرَ فِي نَحْوِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَأَلَّفَ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا صَنَّفَ فِي الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالنَّحْوِ وَاللغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْحَدِيثِ وَالسِّيرَةِ النَّبَوِيَةِ وَالتَّارِيخِ، وَفَوَقَ ذَلِكَ كَانَ الطَّبِيبَ الْحَاذِقَ.

لَقَدْ كَانَ فِي الطِّبِّ عَالِمَاً مُبْدِعَاً أَكْثَرَ مِنْهُ طَبِيبَاً مُمَارِسَاً، فَقَدْ كَانَ غَزِيرَ الْعِلْمِ وَفِيرَ الْمَعْرِفَةِ، كَثِيرَ الأَبْحَاثِ فِي الْعُلُومِ الأَسَاسِيَّةِ، وَفِيرَ الْمُؤَلَّفَاتِ، وَلَكِنْ لا نَنْسَى دَوْرَهُ الْكَبِيرَ فِي الْمُمَارَسَةِ، فكَانَ لَهُ الدَّوْرُ الأَكْبَرُ فِي مُكَافَحَةِ الْوَبَاءِ الَّذي حَلَّ بِمِصْرَ وَدَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَامَ سَبْعِينَ وَسِتمائَةَ هِجْرِيَةٍ، وَكَانَ يَمْتَازُ فِي عِلاجِهِ بوصِفُ الغذاء بدلاً من الدواء كلما أَمْكَنَهُ ذلك، وَيَعْرِفُ حُدُودَهُ وَحُدُودَ عِلاجَاتِهِ وَعَقَاقِيرِهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ طَالَبَ مَرْضَاهُ بِضَرُورَةِ الاعْتِدَالِ فِي تَنَاوُلِ الْمِلْحِ، وَقَدَّمَ أَدَقَّ الأَوْصَافِ لأَخْطَارِ الْمِلْحِ، يَرْوِي أَحَدُ تَلامِذَتِهِ قَائِلاً: «اجتَمَعَ لَيْلَةً هُوَ وَابْنُ وَاصِلٍ وَأَنَا نَائِمٌ عِنْدَهُمَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ صَلاةِ الْعَشَاءِ الآَخِرَةِ شَرَعَا فِي الْبَحْثِ، وَانْتَقَلا مِنْ عِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ، وِالشَّيْخُ عَلاءُ الدِّينِ يَبْحَثُ بِرِيَاضَةٍ وَبِلا انْزِعَاجٍ، أَمَّا الْقَاضِي ابنُ وَاصِلٍ فَإِنَّهُ يَنْزَعِجُ وَيَعْلُو صَوْتُهُ وَتَحْمَّرُ عَيْنُهُ وَتَنْتَفِخُ عُرُوقُ رَقَبَتِهِ، وَلَمْ يَزَالا كَذَلِكَ إِلَى أَنْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ، فَلَمَّا انْفَصَلَ الْحَالُ قَالَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ: يَا شَيْخُ عَلاءُ الدِّينِ، أَمَّا نَحْنُ فَعِنْدَنَا مَسَائِلُ وَنُكَتٌ وَقَوَاعِدُ، وَأَمَّا أَنْتَ فَعِنْدَكَ خَزَائِنُ عُلُوم».

ابنُ النَّفِيسِ رُبَّانُ ثَوْرَةِ الطِّبِ

مَرَّ الطِّبُّ الْعَرَبِيُ بِمَرْحَلَتَيْنِ: الأُولَى مَرْحَلَةُ التَرْجَمَةِ، وَالثَانِيَةَُ مَرْحَلَةُ الإِبْدَاعِ، وَبِنِهَايَةِ الْمَرْحَلَةِ الثَانِيَةِ وَصَلَ زِمَامُ الطِّبِّ إِلَى يَدِ شَيْخِ الأَطِبَّاءِ ابنِ سِينَا الْفَيْلَسُوفِ الطَّبِيبِ الَّذِي بَقِيَ تَأْثِيرُهُ طَاغِيَاً عَلَى الْعُلُومِ الطبِّيَةِ لِقُرُونٍ طِوَالٍ، لِذا بَقِيَتْ تَعالِيمُهُ وَأَفْكارُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً بِمَنْأَى عَنِ النَّقْدِ.

وَكَانَ عَالِمُنَا ابنُ النَّفِيسِ رَائِدَ التجْدِيدِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَهْدِفُ إِلا إِلَى تَطْوِيرِ الْعَمَلِيَةِ الصِّحَّيَةِ وَتَقَدُّمِهَا.

كَانَ عَالِمُنَا الْفَاضِلُ يَسْعَى نَحْوَ التَّحَرُرِ مِنْ سَيْطَرَةِ التَّقْلِيدِيِينَ، وَلَكِنَّهُ التَّحَرُّرُ الْمُهَذَّبُ الْمُؤَدَّبُ الْهَادِئُ الَّذِي يَبْتَغِي الإِعْمَارَ لا الْهَدْمَ، وَهَذِهِ هِيَ مِيزَةُ الْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ الأَجِلاءِ، وَلِهَذَا لا عَجَبَ إِنْ كَانَ لَهُ السَّبْقُ فِي كَشْفِ أَخْطَاءِ جَالِينُوسَ وَابْنِ سِينَا، وَاسْتَطَاعَ بِذَلِكَ نَقْدَ أَعْظَمِ طَبِيبَينِ مَعْرُوفَيْنِ حَتَّى وَقْتِهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَفَذَ بِبَصِيرَتِهِ وَبَصَرِهِ لأَخْطَائِهِمَا الَّتِي لَمْ يَتَجَرَّأْ عَلَى نَقْدِهَا إِلا قِلَّةٌ مِنَ الأَفْذَاذِ، وَكَيْفَ لا وَهُوَ الْعَالِمُ الْمَوْسُوعِيُّ الَّذي تَوَفَّرَتْ لَهُ كُلُّ تِلْكَ الامْكَاناتُ الشَّخْصِيَّةِ وَالْبِيئِيَّةِ وَالَّتِي بَنَى عَلَيْهَا بُنْيَانَهُ الشَّامِخَ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ.

فَارِسُ الطِبِّ يَشْرَحُ تَشْرِيحَ الْقَانُونِ

يُعَدُّ كتاب ابنِ النَّفِيسِ الْفَرِيدُ (شَرْحُ تَشْرِيحِ الْقَانُونِ) مِنْ أَغْلَى دُرَرِهِ وَكُنُوزِهِ، لَقَدْ كَانَ الْمِثَالَ الْوَاضِحَ عَلَى تَحَرُّرِهِ مِنْ سُلْطَةِ مَنْ سَبَقَهُ، تِلْكَ السُّلْطَةَ الَّتِي لَمْ يَجْرؤُ عَلَى اقْتِحَامِهَا أَحَدٌ، وَلَكِنَّ فَارِسَ الْعِلْمِ الْهُمَامَ اقتَحَمَ أَسْوَارَهَا وَأَنْكَرَ بِأُسْلُوبِهِ الْجَرِيءِ عَدَمَ صِحَّةِ مَالَمْ تَرَهُ عَيْنٌ أَوْ يُصَدِّقَهُ عَقْلٌ، وبَقِيَ مُصَنَّفُهُ الْبَدِيعُ هَذَا بَعِيدَاً عَنْ أَيْدِي الْبَاحِثِينَ وَعُيُونِ الْمُتَلَهْفِينَ لِلْعِلْمِ وَالْمُتَعَطِّشِينَ لِنُورِ الْمَعْرِفَةِ لِسِتَّةِ قُرُونٍ، وَلَكِنَّ التَّارِيخَ أَبَى إِلا أَنْ يُظْهِرَ الْحَقِيقَةَ عَلَى يَدَيْ طَبِيبٍ عَرَبِيٍ مِصْرِيٍ كَانَ لَهُ شَرَفُ هَذَا الاكْتِشَافِ الْهَائِلِ، وَنَظَرَاً لِرَوْعَةِ الاكْتِشَافِ وَأَهَمِّيَتِهِ فَقَدْ تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُونَ عَلَى شَرَفِ مَنِ اكْتَشَفَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْحَالُ كَذَلِكَ مَعَ مَنِ اكْتَشَفَ ذَلِكَ الْمُصَنَّفَ النَّادِرَ، فَمَا بَالُكَ بِمُؤَلِّفِ الْمُصَنَّفِ نَفَسِهِ، إِنَّهُ بِحَقٍ عَالِمٌ قَدِيرٌ جَدِيرٌ بِكُلِّ احْتِرَامٍ وَتَبْجِيلٍ.

نَظَرَ ابنُ النَّفِيسِ نَظْرَةً عَمِيقَةً إِلَى مُصَنَّفَاتِ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ ابنُ سِينَا الَّتِي لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا كِتَابٌ وَاحِدٌ فِي عِلْمِ التَّشْرِيحِ الْبَحْتِ، بَلْ كَانَتِ الْمَعْلُومَاتُ مُبَعْثَرَةً فِي أَبْوَابِهَا وَثَنَايَاهَا، فَجَمَعَ ذَلِكَ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ وَصَنَّفَهُ، وَأَبْدَعَ فِي ذَلِكَ، بِحَيْثُ صَارَتِ الْمَعْلُومَاتُ سهلة لِمَنْ يَنْشُدُ الْعِلْمَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمُصَنَّفٍ تَجَاوَزَتْ صَفَحَاتُ بَعْضِ مَخْطُوطَاتِهِ الْخَمْسُمَائَةَ صَفْحَةً.

لَقَدْ ظَهَرَ فِي مُصَنَّفِ عَالِمِنَا احْتِرَامُهُ لِلْدِينِ وَإِجْلالُهُ لِلأَطِبَّاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ رُغْمَ نَقْدِهِ الْبَنَّاءِ لَهُمْ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ ظَهَرَ اعْتِمَادُهُ عَلَىالملاحظة بعينيه فِي كُلِّ أَبْوَابِ الْكِتَابِ، أَمَّا فِي التشْرِيحِ نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ ابنُ النَّفِيسِ: «وَقَدْ حَدَانَا عَنْ مُبَاشَرَةِ التَّشْرِيحِ وَازِعُ الشَّرِيعَةِ وَمَافِي أَخْلاقِنَا مِنَ الرَّحْمَةِ، فَلِذَلِكَ رَأَيْنَا أَنْ نَعْتَمِدَ فِي تَعَرُّفِ صُوَرِ الأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ عَلَى مَنْ سبقنا خَاصَّةً الْفَاضِلَ جَالِينُوسَ»، وَكَلِمَةُ الْفَاضِلِ هَذِهِ تُوْحِي بِالاحْتِرَامِ الَّذِي يُكِنُّهُ ابنُ النَّفِيسِ لأَسَاتِذَةِ الْمَعْرِفَةِ، وَهَذَا نَمُوذَجٌ رَائِعٌ لأَخْلاقِ الطَّبِيبِ الْعَرَبِيِّ الْمُسْلِمِ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ الآَخَرِينَ، فَهُوَ مِنْ جِهَةٍ يُقَدِّرُ عِلْمَهُمْ وَجُهْدَهُمْ، وَمِنْ جِهَةٍ يَحْتَرِمُ شُخُوصَهُمْ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لا يَمْنَعهُ مِن انتِقادِهِمْ وَمُناقَشَةِ آَرَائِهِمْ.

وَصَفَ ابنُ النَّفِيسِ التَّشْرِيحَ بِأَنَّهُ فَنٌ وَلَيْسَ عِلْمَاً، وَهَذِهِ لَفْتَةٌ بَارِعَةٌ تُسَجَّلُ لَهُ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ الْفَنَّ يُتْقَنُ بِالْمِرَانِ، وَالْعِلْمُ يُؤْخَذُ بِالدِّرَاسَةِ، كَما وَرَدَ فِي مُصَنَّفِهِ أَحادِيثُ مُطَوَّلَةٌ عَن عُلُومِ مَنَافِعِ الأَعْضَاءِ وَهُوَ مَا نُسَمِّيهِ فِي أَيَامِنا بِعِلْمِ (الْفِيزْيُولُوجْيَا) الَّذِي كَانَ جُزْءَاً مِنَ التَّشْرِيحِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ.

بَرَاءَةُ اكْتِشَافٍ

إِنَّ مِمَا خَلَّدَ ذِكْرَ ابنِ النَّفِيسِ عِلْمِياً اكْتِشَافُهُ لِلْدَوْرَةِ الدَّمَوِيَةِ الصُّغْرَى أَوْ دَوَرَانُ الدَّمِ الرِّئَوِيِّ، وَهَذا إِنْجازٌ يَسْتَحِقُ أَغَلَى بَرَاءَةِ اكْتِشَافٍ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ اكْتَشَفَهَا، وَلَيْسَ «وِلْيَمْ هَارْفِي» الْعَالِمُ الإِنْجِلِيزِيُّ الَّذِي بَحَثَ الأَمْرَ بَعْدَ عَالِمِنَا بِأَرْبَعَةِ قُرُونٍ.

لَقَدْ ذَكَرَ ابنُ سِينَا فِي كِتَابِهِ «الْقَانُون» أََنَّ الْقَلْبَ بِهِ بُطَيْنَانِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا مَمْلُوءٌ بِالدَّمِ، وَهُوَ الْبُطَيْنُ الأَيْمَنُ، وَأَنَّ الآَخَرَ مَمْلُوءٌ بِالرُّوحِ، وَهُوَ الْبُطَيْنُ الأَيْسَرُ، وَأَنَّهُ لا مَنْفَذَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْبُطَيْنَيْنِ الْبَتَّةَ، وَعَارَضَ ابنُ النَّفِيسِ هَذَا الرَّأَيَ حِينَ أَثْبَتَ أَنَّ الدَّمَ يَذْهَبُ مِنَ الْبُطَيْنِ الأَيْمَنِ عَبْرَ الْوَرِيدِ الشَّرْيَانِيّ إِلَى الرِّئَةِ لِتَتِمَ تَنْقِيَتُهُ بِهَا، ثُمَّ يَعُودُ مِنَ الرِّئَةِ إِلَى الْبُطَيْنِ الأَيْسَرِ وَقَدْ لَطُفَ جِرْمُهُ وَخَالَطَهُ الْهَوَاءُ.

ذَكَرَ ابنُ النَّفِيسِ فِي كتابه «شَرْحِ تَشْرِيحِ الْقَانُونِ» الدَّوْرَةَ الدَّمَوِيَةَ الصُّغْرَى بِتَفْصِيلٍ وَدِقَّةٍ، وَقَدْ تُرْجِمَ هَذَا الْكِتَابُ إِلَى اللاتِينِيَةِ فِي مَدِينَةِ الْبُنْدُقِيَةِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَتِلْكَ كَانَتْ التَّرْجَمَةَ الَّتِي رَجَعَ إِلَيْهَا الطَّبِيبُ الإِنْجلِيزِيُ هَارْفِي، كَمَا ذَكَرَ عَالِمُنَا أَنَّ الْقَلْبَ يَتَغَذَّى بِالدَّمِ مِنْ عُرُوقَ خَاصَّةٍ بِهِ وَلَيْسَ مِنَ الدَّمِ الَّذِي فِي أَجْوَافِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فَتْحاً عِلْمِيّاً آَخَرَ سُجِّلَ لَهُ.

وَمِنَ الْجَدِيرِ ذِكْرُهُ أَنَّ الْعَدِيدَ مِنْ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ الْمُنْصِفِينَ قَدْ نَسَبُوا الْفَضْلِ لِصَاحِبِهِ، فَاعْتَرَفُوا بِأَنَّ ابنَ النَّفِيسِ هُوَ أَوَّلُ مَنْ اكْتَشَفَ الدَّوْرَةَ الدَّمَوِيَّةَ الصُّغْرَى.

يُتَوَفَّى الْبَشَرُ وَيَبْقَى الأَثَرُ

لا يُمْكِنُ حَصْرُ جَلِيلِ أَعْمَالِ ابنِ النَّفِيسِ بِصَفَحَاتٍ، رُغْمَ أَنَّ مَاوَصَلَ إلَيْنَا مِنْهَا لا يَتَجَاوَزُ القليل مِنْ بِحَارِ عُلُومِهِ وَكِتَابَاتِهِ، لَقَدْ عُرِفَ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ الْكَثِيرَةِ كِتَابُ «الشَّامِل فِي الطِّبِ»، وَالَّذِي كَانَ يُفْتَرَضُ أَنْ يَكُونَ فِي ثَلاثِمائَةَ كتابٍ، وَلَكِنْ لَمْ يُنْجِزْ ابنُ النَّفِيسِ مِنْهَا إِلا ثَمَانِينَ خِلالَ ثَلاثِينَ عَامَاً مِنَ الْعَمَلِ وَالْمُثَابَرَةِ وَالْجَدِّ الَّذِي لَمْ تُوْقِفُهُ إِلا الْمَنِيَةُ، وَبَعْدَ أَنْ تَبَعْثَرَتْ تِلْكَ الأَجْزَاءُ بِفْعْلِ الأَحْدَاثِ وَالأَيَّامِ هَيَّأَ الله مَنْ يَجْمَعُ أَرْبَعِينَ مِنْهَا.

لَقَدْ أَلَّفَ شَيْخُنَا الْفَاضِلُ الْعَدِيدَ مِنَ الْمُؤَلَّفَاتِ أَيْضَاً، وَمِنْهَا «الْمُخْتَارُ فِي الأَغْذِيَةِ»، وَ«شَرْحُ تَقْدِيمَاتِ الْمَعْرِفَةِ»، وَ«شَرْحُ فُصُولِ أَبُقْرَاط»، وَ«شَرْحُ تَشْرِيحِ جَالِينُوس»، وَ«شَرْحُ الْقَانُون»، وَ«الْمُهَذَّبُ فِي الْكُحْلِ»، وَ«شَرْحُ الْهِدَايَةِ فِي الطِّبِ»، وَ«تَفَاسِيرُ الْعِلَلِ وَأَسْبَابُ الأَمْرَاضِ»، وَ«رِسَالَةٌ فِي أَوْجَاعِ الْبَطْنِ»، وَ«شَرْحُ طَبِيعَةِ الإِنْسِانِ»، وَكِتَابُ «الْنَبَاتِ فِي الأَدْوِيَةِ الْمُفْرَدَةِ».

وَلِهَذا كُلِّهِ وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ مِنْ مُعاصِرِيهِ بِأَنَّهُ «الْبَحْرُ الْخِضَمُّ وَالطَّوْدُ الأشَمُّ لِلْعُلُومِ»، إِنَّ مُصَنَّفَاتَهُ فِي شَتَّى فُرُوعِ الْمَعْرِفَةِ لَكَافِيَةٌ وَوَافِيَةٌ بِأَنْ تُبَوِئَهُ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْمَجْدِ، وَلأَنْ تَضَعَهُ فِي مَصَافِّ الْعَبَاقِرَةِ الأَفْذَاذِ الَّذِينَ أَبْدَعُوا وَبَقِيَ نِتَاجُهُمُ حَاضِرَاً رُغْمَ أَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا تَحْتَ الثَّرَى.

فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ لِعَامِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَسِتُّمَائَةَ لِلْهِجْرَةِ الْمُوَافِقُ لِعَامِ ثَمَانِيَةَ وَثَمَانِينَ وَمائَتَيْنِ وَأَلْفٍ لِلْمِيلادِ وَافَت الْمَنِيَّةُ عالِمَنا عَنْ عُمْرٍ نَاهَزَ الثَّمَانِينَ أَمْضَاهُ فِي الْكَدِّ وَالْعِلْمِ وَالاجْتِهَادِ وَالْعَمَلِ وَالْعَطَاءِ، لَقَدْ انْتَقَلَ إِلَى رَحْمَتِهِ تَعَالَى بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ مُكَابَدَةِ الْمَرَضِ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ نَصَحَهُ خِلالَهَا أَحَدُ زُمَلائِهِ الأَطِبَّاءُ بِتَنَاوُلِ قَلِيلٍ مِنَ الْخَمْرِ كَدَوَاءٍ، وَلَكِنَّ ابنَ النَّفِيسِ رَفَضَ شِرْبَ الْخَمْرِ وَلَوْ كانَ فِيهِ دَوَاؤُهُ، وَقَالَ كَلِمَتَهُ الْمَشْهُورَةَ: «لا أُرِيدُ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَفِي بَطْنِي شَيءٌ مِنَ الْخَمْرِ».

لَقَدْ لَبِسَتْ الْبِلادُ كُلُّهَا ثِيَابَ الْحِدَادِ لِرَحِيلِهِ، وَوَدَّعَتْهُ وَدَاعَاً يَلِيقُ بِمُقَامِهِ، ذَلِكَ هُوَ أُعْجُوبَةُ دَهْرِهِ، وَإِمَامُ الطِّبِ فِي عَصْرِهِ، وَأَحَدُ أَشْهَرِ الأَطِبَّاءِ الَّذِينَ أَتْحَفَتْ بِهِمْ دِمَشْقُ الْمَعْمُورَةَ، وَكَانَ بِجَدَارَةٍ الْفَذَّ الْعَبْقَرِيَّ النِّدَ لابنِ سِينَا، وَكَانَ بِحَقٍ جَالِينُوسَ الْعَرَبِ، رَحِمَهُ اللهُ وَتَغَمَّدَهُ بِوَاسِعِ مَغْفِرَتِهِ.

 

 

 


 

عبدالمطلب أحمد السح