الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري

المشكاة الزجاجية

برع الفنانُ المسلمُ في ابتكار أدوات فنية تُستخدمُ في حياتنا اليومية. لذلك لم تندثر هذه الأدوات المبتكرة، ولم تختفِ، بل ظلت تتجدد عبر العصور، حتى يومنا هذا. ومن بين هذه الأدوات الفنية المستخدمة حتى اليوم المشكاة الزجاجية.

والمشكاة تشبه الإناء، ومصنوعة من الزجاج المزخرف، والملون في بعض الأحيان. وقد ورد اسم المشكاة في القرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى في الآية: اللَّهُ نُورُ السَّمَواتِ والأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فيهَا مِصْبَاحٌ... .

بعد الدولة الفاطمية في مصر (التي استمرت من سنة 298 هجرية الموافقة 911 ميلادية حتى سنة 567 هجرية الموافقة سنة 1171 ميلادية) وفي العصرين الأيوبي والمملوكي من القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي، برع الفنانون المسلمون في إنتاج الزجاج المطلي بالذهب والميناء (الميناء هي السوائل الملونة المزينة لأرضيات الزجاج).

وقد صنع هؤلاء الفنانون في مصر: الأكواب والزجاجات والدوارق والكؤوس والقناديل، كما صنع زملاؤهم في سورية الأكواب والأواني الزجاجية المطلية بالميناء.

وكانت القناديل (وهي جمع كلمة قنديل)، والمشكاوات (مفردها كلمة مشكاة) ، تنتج خصيصا لإضاءة المساجد. وكانت هذه المشكاوات تحمل زخارف وتزيينات وخاصة اسم السلطان، وبعض الأدعية. ومن بين العبارات التي توجد على هذه الأدوات: عزّ لمولانا السلطان العامل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور غياث الإسلام والمسلمين قامع الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين سلطان الإسلام والمسلمين السلطان الملك الناصر صلاح الدنيا بالدِّين.

وقد اعتنى المماليك ببناء المساجد وتشييد المدارس وتخطيط الحدائق لذلك لزم صناعة كميات كبيرة من المشكاوات لإنارتها، وأبدعت الحضارة الإسلامية بفضل فنانيها تحفًا رائعة وراقية من هذه المشكاوات المزخرفة، وتحتفظ المتاحف الإسلامية بعينات منها.

ففي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة مشكاة من الزجاج تحمل رقم 312 لها قاعدة مخروطية مرتفعة ويشبه جسمها الكأس بينما فوهتها تشبه القمع المنفرج (المفتوح بشكل متسع)، وعلى رقبتها شريط مكتوب، بينما المشكاة مزخرفة بألعاب جميلة. وللمشكاة ستة مقابض للإمساك بها والتعليق منها.

ويراعي الفنان حسب ذوقه وابتكاره الفني تناسق المشكاة في شكلها وزخرفتها وتقسيم سطحها، وحين يوضع الزيت والشمع داخلها ويضاء الفتيل بها ترسل ضوءاً جميلا، فتصبح مثل كرة ملونة ، أو قمرا مزخرفا. إنها أحد إسهامات الحضارة الإسلامية المفيدة على مر العصور. فقد استبدل الضوء الكهربائي بالزيت والشمع والفتيل، ولكن بقيت المشكاة بدورها وفنها.

 


 

هيثم صبري