بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيت حي بقلب يتألم

أنا شجرة دردار، مغروسة في بقعة من أرض فلسطين التي غيّر الغرباء القادمون من وراء البحار اسمها، جذوري تنمو فتغوص عميقا في الأرض، وفروعي تنمو بقوة، لكنهم ربطوا على هذه الفروع دعامات خشبية لتمتد في اتجاهات بعضها أفقي وبعضها رأسي وبعضها مائل.

لم يحزني ذلك لأنني فهمت أن غايتهم هي أن يبنوا بيتا هيكله من جذعي وفروعي، وجدرانه من مشبكات شجيرات الكروم التي زرعوها من حولي، ونوافذه من زجاج حيوي مصنوع من نبات الصويا. بيت أخضر حي، لاتُستخدم فيه أية مادة صناعية، وهو قابل للنمو كلما نمت الفروع والأغصان التي يتكون منها. جدرانه مسواة بالطين ومكسوة بالجص حتى تمنع تسلل البرد أو الحر لسكانه في الداخل، وهؤلاء لايحصلون على احتياجاتهم من الماء والكهرباء بأية وسائل صناعية، فالماء يأتي من مياه الأمطار التي تتجمع في وعاء كبير على سطح البيت، والكهرباء من مولدات تعمل بالطاقة الشمسية، حتى مياه الصرف تم الاحتياط لها حتى لاتلوث مايحيط بالبيت من نباتات وتربة، فقد أنشأوا لها حفرة كبيرة تتجمع فيها، وربوا في الحفرة أسماكاً وبكتيريا حميدة تقوم بتنظيف المياه مما بها من نفايات، فيمكن استخدام هذه المياه مجددا في أغراض الري والغسيل بعد إزالة تلوثها .

شيء مدهش، وأوشك أن أقول إنه شيء جميل، لكنني لا أستطيع النطق بذلك، فهذا البيت الأخضر الحي الذي يتشكل من جذعي وفروعي، والذي لايكتفي بالحفاظ على البيئة بل ينظفها أيضا، والذي أطلقوا عليه اسم Fab Tree Hab، هو من ابتكار اثنين من المهندسين المعماريين الإسرائيليين بمساعدة مهندسة البيئة لارا جريدن.. هذا البيت، والذي تستغرق زراعة الواحد منه ثلاث سنوات، سيكون ـ مع الأسف ـ وسيلة إضافية للإسرائيليين لسلب مزيد من أراضي الفلسطينيين، لبناء مستعمرات يسكنها الصهاينة الغرباء القادمون من وراء البحار، ستوفر هذه البيوت الخضراء مساكن للمستعمرين الجدد، بينما يتشرد أصحاب الأرض من الفلسطينيين، فهل أستطيع أن أفرح بهذا الإنجاز البيئي، وأنا أعلم أن مثلي سيكون وسيلة إضافية لتشريد الفلسطينيين بعد طردهم من أراضيهم، واقتلاع المزيد من أشجار الزيتون التي غرسوها وغرسها آباؤهم وأجدادهم، وتهديم بيوتهم بالصواريخ والجرافات المدرعة الإسرائيلية ؟ هل أستطيع؟!

أنا شجرة دردار، سأكون سببا في قتل أشجار أخرى وتشريد بشر آخرين، لكي ينعم بشر مغتصبون ببيوت خضراء على أرض مغتصبة . قلبي يتألم حزنا، ولا أستطيع الفرح.

 


 

محمد المخزنجي