أمومة

أمومة

رسوم: مصطفى بركات

«عندما نُشرتِ الصورة في الصحف في عيد الأم.. تساءل الناس مدهوشين! أيحدثُ هذا في الطبيعة؟!».

عجبًا ماذاحدث؟!! دعنا نعرف.

بعد أن أشار الصيّاد بيده أمام كلبه، وطلق صفيرًا حادًا، بدأت المطاردة المثيرة العنيفة، أرنبة تقفز قفزات جنونية مرعوبة خائفة، والكلب السلوقي ينطلق وراءها كالسهم.كان الصيّاد يتابعهما بمنظاره هادئًا مبتسمًا مطمئنًا وهو يحدّث نفسه، حتمًا لن تفلت منه كما عوّدنا في السابق، فهو كلب ماهر خبير بالمطاردة، وبالفعل بعد فترة قصيرة حاصر السلوقي الأرنبة، اقترب منها، ها.. أين المفرّ يا أرنبة؟

شعرت الأرنبة المسكينة بقرب نهايتها، فتذكّرت صغارها الرضّع، فسالت دموعها على وجهها، ولكنها تماسكت وقالت: ألا تمهلني شهرًا يا سلوقي؟

- آه.. شهرًا؟! ولماذا؟!

- لأن صغاري الرُضع ينتظرونني وهم بحاجة إلى حليبي، وبعد شهر ستجدني هنا أنتظرك لتطاردني.

- أخداع ومراوغة يا أرنبة، وأنت الآن في قبضة يدي؟!

- أبدًا يا سلوقي، إنني صادقة في قولي. وصمتت لحظة ثم قالت:

- إذن بحقّ السماء أمهلني ساعة كي أرضعهم الرضعة الأخيرة، وأشمّهم الشمة الأخيرة.. وأنظر إليهم النظرة الأخيرة.. وأودّعهم الوداع الأخير، ثم أخرج لتطاردني، إنّ مغارتي قريبة من هنا.

وغصّت الأرنبة بالبكاء والدموع تنحدر من عينيها.

تطلّع السلوقي إلى وجه الأرنبة فرأى حنان الأم الصادق في عينيها ودموعها، ولاحظ لهفة الأم على صغارها، وتذكّر السلوقي صغاره في البيت فابتسم وقال:

- بالتأكيد أنتِ أمٌّ يا أرنبة، عيناك.. دموعك.. وجهك.. كلماتك، كلها تؤكد ذلك. وهتف باسمًا:

لا تخافي يا أرنبة.. لا تخافي.. فنحن صديقان منذ الساعة، مدّي يديك يا أرنبة.

وتصافحا.. وقبّل أحدهما الآخر.

كانت هناك حمامة في عشّها تغني لفراخها، فرفع السلوقي رأسه نحوها وابتسم.

بعد فترة نادت الأرنبة صغارها، وراحتْت ترضعهم، بينما جلس السلوقي أمامها ينظر إليهم بوداعة وحرص.

حينما اقترب الصيّاد منهم على فرسه، دُهشَ وفتح عينيه على سعتهما وفغر فمه وقال: كيف حدث هذا؟ كلبي السلوقي الشرس جالس بجانب أرنبة ترضع صغارها بأمان وهدوء!! يا سلام!

- حقًا كيف حدث هذا؟!

ابتسم الصيّاد ابتسامة عريضة.. ولم يفعل شيئًا.. أويقل لكلبه كلمة، بل بقي يتطلّع بهدوء إليهما وهمس في نفسه:

- الآن فهمتُ ما جرى.. إنّه احترام وتقديس للأمومة، ثم التقط لهم صورة بعدسته وأرسلها إلى الصحف في عيد الأم بعد أن قرر مع نفسه منذ تلك اللحظة أن يترك مهنة الصيد نهائيًا كما فعل كلبه السلوقي قبله.

 

 


 

زهير رسام