الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري

فنون النحاس لكل الناس

برع الفنانُ المسلمُ في ابتكار أدوات فنية تُستخدمُ في حياتنا اليومية. لذلك لم تندثر هذه الأدوات المبتكرة، ولم تختفِ، بل ظلت تتجدد عبر العصور، حتى يومنا هذا. ومن بين هذه الأدوات الفنية ما صنعه الفنان المسلم من النحاس، حيث سخر فنون النحاس لاستخدام كل الناس.

بعد الدولة الفاطمية في مصر (التي استمرت من سنة 298 هجرية الموافقة 911 ميلادية حتى سنة 567 هجرية الموافقة سنة 1171 ميلادية) وبعد أن جاء القائد الناصرُ صلاح الدين الأيوبي الذي أسس الدولة الأيوبية وحكمها منذ سنة 1171 ميلادية حتى سنة 1192 ميلادية، فوحَّد الحُكمَ في مصر وفلسطين والشام تحت سلطانه، أصبح من العسير التفرقة بين ما صُنع في مصر وما يصنع في الشام، من الأدوات المعدنية فهل نعرف السبب؟

السبب هو أن زخارف التحف المعدنية الدقيقة تعلمها الفنانون البارعون في هذه المناطق من الفنانين الذين استقدمهم الأيوبيون (أي حكام الدولة الأيوبية التي أسسها الناصر صلاح الدين الأيوبي) من مدينة الموصل في العراق الذين هجروا بلادهم بعد غزو جيوش المغول لها.

بلغت فنون تصميم ونحت المعادن، وخاصة النحاس، أفضل مرحلة لها، بمجيء السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ويحتفظ المتحف الإسلامي بالقاهرة بكرسي من النحاس صنع خصيصا لهذا السلطان، جمع كل فنون المعادن في قطعة واحدة! فالكرسي من النحاس مزخرف بالفضة والنحاس الأحمر، وله ست سيقان مزخرفة بها فتحات مجوفة لوضع البخور، وفيه زخارف أوراق الشجر كالأرابيسك، وزخارف هندسية كالنجوم، وكتابات بالحروف الأبجدية، ورسوم لكائنات حية، كالبط الطائر، ويحمل ألقاب السلطان كالمرابط والمجاهد والغازي، بالإضافة إلى ألقاب أخرى تثبت فضله على إنشاء العمائر والمساجد والمدارس.

الفنان الذي صنع هذا الكرسي سجل اسمه بخط صغير على أرجل الكرسي: عمل العبد الفقير الراجي عفو ربه المعروف باسم المعلم الأستاذ محمد بن سنقر البغدادي السنكري وذلك في تاريخ سنة ثمان وعشرين وسبعمائة أيام مولانا الناصر عز نصره. وهذا التاريخ الهجري 728 يوافق التاريخ الميلادي 1328م.

كان صناع هذه التحف يصنعونها بطريقة الصب، أي صب النحاس المصهور في قوالب، أو طريقة الطرق أي الدَّق بآلات حادة، ثم يقومون بزخرفتها وإضافة الذهب والفضة إليها.

وبالإضافة للكراسي صنع الفنانون المسلمون الصواني والأباريق والأواني المسطحة المستخدمة في غسيل الملابس، والمباخر، والمرايا، وكانت هناك محلات خاصة لبيعها، ومحلات أخرى لبيع الزينة التي تضاف إلى هذه الأدوات النحاسية.

 


 

هيثم صبري