المحفظة الضائعة

المحفظة الضائعة

رسوم: أمين الباشا

اسمه ماهر، عمره سبعةُ أعوام، بَشرتُه سمراء، عيناه سوداوان كالليل وشعرُه أيضًا، في وجهه ابتسامة دائمة، كأنه ولد وهو يبتسم، وهو تلميذ في مدرسة مجّانية، والده يملك دكانًا صغيرًا للخضار والفاكهة، والدته تهتم بتربية وحيدها ماهر.

ذات يوم، وهو عائد من المدرسة، وقع نظره على محفظة على الأرض، أخذها ووضعها في جيبه. دخل المنزل مناديًا أمه، أراها المحفظة، كانت ممتلئة أوراقًا مالية، وأوراقًا خاصة وتذكرة نفوس (هوية، أو بطاقة مدنية) باسم «خلدون عمّار»، وبها أوراق باسمه ورقم الهاتف، لكن بيت ماهر لا يوجد فيه تلفون، تردّدت أم ماهر في الذهاب إلى دكان زوجها لتحكي له قصة المحفظة، ثم اتفقت مع ابنها أن ينتظرا عودة الزوج إلى المنزل. عند الغروب وصل أبو ماهر.

- مساء الخير.

أجابت أم ماهر مساء الخير، كيف كان نهارك؟ أجابها: الحمدلله.

هنا ابتسم ماهر ثم قال ضاحكًا: نحن، عندنا لك مفاجأة!

قال الأب: مفاجأة؟ وهل في هذا البيت مفاجآت؟ عندها وضعت الأم بين يديّ أبو ماهر المحفظة، ولم تقل شيئًا. زاد اتسّاع عينيّ ماهر منتظرًا ردة فعل والده.

- وجدتها على الأرض وأنا عائد من المدرسة، قال ماهر.

- ما قولك؟ ماذا تفعل؟ قالت الأم.

- لا.. أرجوك يا أم ماهر، هذا مال ليس لنا.

- لكنه كان مرميًا على الطريق، قال ماهر.

- لم يكن مرميًا، المحفظة وقعت سهوًا. حرام!

- حرام؟ ما هو الحرام؟ سأل ماهر.

قال الأب: حرام أن نأخذ ما ليس لنا.

قالت أم ماهر: اسم ورقم تلفون صاحب المحفظة موجودان في داخلها.

قال الأب: عال... هذا يريحنا ويريح صاحب المحفظة.

- ما العمل؟ قالت الأم.

- العمل؟ الاتصال بصاحب المحفظة وتسليمه إيّاها.

- متى؟ قالت الأم وابنها.

- بعد العشاء سأتصل به.

قال ماهر وهو يضحك: المهم أنني شممت رائحة هذه الكمية من الأوراق المالية، لكني لم أشبع. قامت الأم وزوجها إلى المطبخ وأعدّا معًا العشاء. لم يأخذ العشاء وقتًا طويلاً. اتجه أبو ماهر ناحية باب الخروج وتبعه ماهر وأمّه. دخل الثلاثة إلى مقهى قريب للاتصال هاتفيًا بالشخص الذي أضاع محفظته.

- ألو.

- نعم، أجابه صوت رجل.

- السيد خلدون؟

- نعم.. نعم أنا السيد خلدون.

- هل أضعت شيئًا يا سيدي؟

- نعم. محفظتي. وأنا بحال ضياع تام. لا أعلم ماذا سأفعل. فيها أوراقي الخاصة... و...

- والمال...

- نعم، قال خلدون.

- اسمع يا سيدي. المحفظة في جيبي. وجدها ابني على الأرض وهو عائد من المدرسة. نحن في مقهى «أبو عفيف» بانتظارك.

بعد دقائق وصل صاحب المحفظة وعلى وجهه ابتسامة. حيّا الأب والأم وماهر.

- تفضل. قال له الأب وهو يسلّمه المحفظة.

قال له خلدون: لا أعرف كيف أشكركم. بارك الله فيكم.

الأب: لا شكر على الواجب.

أجابه خلدون: اسمحوا لي أن أدعوكم إلى العشاء، والوقت أمسى متأخرًا.

ابتسم ماهر، إذ أن الفكرة قد أعجبته. لاحظ خلدون هذا، وذهبوا إلى مطعم فخم، وما إن دخلوا باب المطعم حتى قالت أم ماهر: لقد أكلنا قبل أن نأتي إلى المقهى.

أجابها خلدون: نأكل بعض الحلويات إذن.

أكلوا حلوى وشربوا وتسامروا وتعارفوا إلى أن أخذت عينا ماهر تغمضان، وقد استولى عليهما النعاس. رافقهم خلدون إلى المنزل وهو لا يتوقف عن شكرهم آملاً أن يراهم مرّة ثانية.

 

 


 

إنجيل أورياتا