شيخ الجبل

شيخ الجبل

رسوم: فاروق الجندي

شيخُ الجبلِ رجلٌ صالحٌ اعتزل حياةَ الناس وتفرغ للعبادة والصلاة، وفي أوقات فراغه يغزلُ الصوف ويحمله إلى البلدةِ ليبادل خيوطَ الصوفِ المغزول بما يحتاج من طعامٍ وشرابٍ وزيتٍ لإضاءةِ قنديله، كان أهلُ البلدة يعتبرون شيخَ الجبل بمنزلة الأبِ الكبيرِ والحنونِ الذي يغمرهم دائمًا بالسؤال عنهم وعن أحوالهم ويرفع يديه داعيًا الإله لهم وكانوا يسرون ويفرحون بدعائه لهم ويعتقدون أن ما يتمتعون به من نعمٍ هي بفضلِ الدعاءِ المباركِ والمستجابِ لشيخ الجبلِ .

ولأن شيخَ الجبلِ لم يكن يمضي الكثيرَ من الوقتِ بينهم فلم يكن الجميعُ محظوظًا بلقائه والتحدثِ إليه، لذلك اتفق الناسُ أن يكتبوا للشيخِ بما يرغبون في أوراقٍ يضعونها في كيسٍ عند سفحِ الجبلِ حيث يمكن للشيخِ أن يراها ويحملها ويصلي الليل من أجل أن يستجيبَ الإله دعوات أصحابها .

عند غروب كلِّ يومٍ ينزلُ شيخ الجبلِ من مغارتِهِ حيث يحمل كيس الأوراقِ وعلى ضوءِ السراجِ يتصفحها ويدعو الإله أن يحقق رغبات أصحابها، بعد مدٍة لاحظ شيخُ الجبلِ أن الكيسَ الواحدَ أصبح أكياسًا، لقد امتلأَ سفحُ الجبلِ بالأكياسِ المليئةِ بالأوراقِ والتي لكثرتها أصبحت ثقيلةً على الحملِ، أمضى شيخُ الجبلِ أيامًا وليالي وهو يقرأ الأوراقَ الكثيرةَ، فهذه الورقةُ يشكو صاحبُها من جارِه الذي لا يدعُوه إلى موائدِه وولائمِه ويطلبُ من الإله ألا يرزقه بعد الآن أي رزقٍ، وورقةٌ أخرى يريد صاحبُها أن يرزقَ المزيدَ من المالِ حتى يبني الكثير من البيوتِ ويبيعها على الناس، وأخرى تطلب من الإلهِ ألا يخلق فتاةً جميلةً في البلدة غيرها، وآخر يشكو المرضَ ولا يرغب أن يموتَ أبدًا وأخرى تريد أن يرزقها الإله الكثيرَ من الأولاِد حتى يصبح عدد أولادها أكثرَ من جارتها وآخر يرغبُ أن تثمر مزرعتُه أفضل الثمار فلا يشتري الناسُ إلا منه ويتركوا مزارع الآخرين... شعر شيخُ الجبلِ بالحزن من مطالبِ الناسِ التي لا تنتهي ومن الذين لا يقنعون بما رزقَهم الإلهُ ولا يشكرونه على النعمِ التي حباهم بها، لم يعد شيخُ الجبلِ ينزلُ لحملِ أكياسِ الأوراقِ فامتلأ بها سفحُ الجبلِ وطيرتها الرياحُ. حزن الناسُ لأن الشيخ أهملَ أوراقَهم وأكياسَهم وتَساءلوا عن السببِ فيما بينهم لكنهم لم يجدوا جوابا.

وفي يومٍ مرّ أحدُ الشبابِ على الناسِ المجتمعين وبيده كيسٌ صغيرٌ فيه ورقة واحدة، كان يرغب بالسير نحو سفحِ الجبلِ ليضعه للشيخ لكن الناس هزئوا منه وقالوا لم يعد شيخُ الجبلٍ يهتم لأمرنا لكن الفتى واصل سيره حتى وضع الكيس وعاد، وعند الغروب خرج شيخ الجبلِ من مغارتِه ورأى ذلك الكيسَ الصغيرَ الخفيفَ فتعجّب لذلك ثم حمله واستخرجَ الورقةَ منه وقرأَ : إن نعم الإله التي غمرني بها كثيرة ولا يكفيها شكري لكن ادع لي يا شيخَ الجبلِ أن يوفقني الإلهُ دائمًا في حياتي .

ابتسمَ شيخُ الجبلِ ورفعَ يديهِ يدعو لذلك الشاب فأخيرا وجد من بين الناسِ من يشكر الإلهَ على نعمِهِ ولا يتذمر شاكيًا أو مطالبًا بأكثرِ مما قسمَ وقدّر له.

 


 

لطيفة بطي