حكمة الهدهد!!

حكمة الهدهد!!

رسوم: صلاح بيصار

حرك النسيمُ الوردةَ البنفسجيةَ على غصنها، كانت فرحةً بعودِها الذي بدأ يرتفعُ وبأوراقِها التي تحملها كلَّ يومٍ إلى مسافة من العلو سنتيمترات قليلةً. بدأت تتعرفُ على الحياةِ من حولها: صاحبةُ الحديقة التي تراقُبها كلَّ يومٍ وتهمس بكلمات لا تفهمها، والأولاد الذين يلعبون الكرة ويطيرون طائراتهم الورقية لتنافس العصافير والفراشات.

وبنات يلعبن بعرائسهن القطنية أو يجلسن يتبادلن الحكايات.

وعمِّ خليل الذي يرعى الحديقة ويبعد الطيور الكبيرة عن إفساد ثمارها.

ذاتَ صباحٍ حامت نحلةٌ حول الوردة ثم حطّت فوقَها. أحسّت الوردة بشيء يقرصها، عرفت أن الفاعَلَ تلك النحلةُ فعاتبتها في دهشة:

- لماذا.. لقد آلمتني القرصةُ!

ردّت النحلة وهي تبتسم:

- لأنك وردةٌ جميلةٌ، ولأنه حان وقت الاستفادة منك!

الوردة لاتزال مندهشةً.. تسأل:

- وماذا تستفيدين من قرصي!!

- هذا عملي في الحياة ولا بد من تأديته على الوجهِ الأكملِ!

استغربت الوردةُ واهتزت على غصنِها، بينما أكملت النحلة:

- أفعل هذا من أجل الإنسان!

- وماذا يستفيد الإنسانُ من قرصك لي!

حاولت النحلة توضيح الأمرِ للوردة:

- أنا أمتص رحيقكِ ليصير بعد ذلك عسلاً يحبه الإنسانُ كغذاء.

الوردة تنهدت وجعًا وتساءلت:

- وهل جميع الورود تتعرضُ للقرص منك أنت وزملائك!

هزت النحلة رأسها مؤكدةً ما قالته الوردةُ وأكملت وهي تطير مبتعدةً: هذا عملنا.

بعد أيامٍ جاءت صاحبة الحديقة وتجولت بين زهورها ثم اقتربت من الوردة. كانت تحمل مقصًا، ارتعشت الوردةُ وصاحَت:

- هل ستذبحني سيدتي لأنني جميلةٌ!! لقد قرصتني النحلة لأنها رأتني جميلة أيضًا!

ضحكت صاحبةُ الحديقة وهي تومئ برأسها:

- نعم.. أنت وردة جميلةٌ، ولكنني لن أذبحك! أنا سأقطفك لكي أضعك في فازة من الكريستال بصالة الضيوف!

قالت الوردة وهي تغالب دموعها:

- لا أفهمك سيدتي.

أوضحت صاحبةُ الحديقة:

- نحن البشر، نقطف الورود لنزيّن بها منازلنا، ونسعد بألوانها المبهجة،ونستمتع بعطرها ونصنع منها عطورًا للسيدات والرجال!

تساءلت الوردة في صوتٍ حزين:

- إذن.. أنا خلقت لبهجة الإنسانِ والتعطر برائحتي.. وهذا سببُ وجودي في الحياة.

صفقت صاحبةُ الحديقة للوردة وقالت:

- الآن توصلت لمعرفةِ الحقيقةِ، فلكل كائنٍ عملٌ.. أو فائدةٌ في الحياة!

اندهشت الوردة وتساءلت:

- وما دور الإنسان في الحياة؟

- دوره البناءُ والتعميرُ والاختراع وتأمينُ حياته وغذائه للمستقبل.. والعملُ، وبالذات العملُ الذي يجعل للإنسان قيمةً في الحياة.

استسلمت الوردةُ لصاحبة الحديقةُ وهي تقطفها من على الغصن، بينما كان الهدهدُ الذي سمع الحوار ورأى المشهد يهمس لنفسه:

- نعم.. لكل كائنٍ سببٌ.. وحكمةٌ لوجوده!

 


 

مجدي نجيب