نُباح في عمقِ الليلِ

نُباح في عمقِ الليلِ

رسوم: مصطفى بركات

- في عمق الليلِ شتاءً، سمعتُ نباحًا حادًا في حديقِة الدارِ، ابتسمتُ وقلتُ:

إنّ كلبنا «إسكوت» يعرف واجبه، فلن يسمح لأحدٍ أن يعبر السياج.

ولكن بعد لحظاتٍ، سمعتُ صوتَ إطلاقةٍ في الحديقةِ، وصمتُ النُباح، شعرتُ بخوفٍ، فخرجتُ على الفورِ، وناديتُ إسكوت، إلا إنه لم يأتْ إليّ كما كان يفعل في السابق عندما أناديه، وتوقعتُ أنه أصيبَ.

بحثتُ عنهُ في الحديقةِ بين الأشجارِ، فوجدته مضطجعًا بلا حراك تحت شجرة زيتون في مؤخرةِ الحديقةِ في المكانِ نفسِهِ الذي كان يحب أن ينام فيه، فقد كانَ ينامُ في ظلِّ زيتونةٍ.

- حزنتُ وحزن الأطفالُ على فقدانِ إسكوت الوفيّ الأمين، لقد قتلهُ اللصوصُ لأنه منعهم من اجتيازِ السياجِ، ومنعهم من سرقةِ الدارِ، فلم يهرب أمامَ تهديداتهم، ولم يخضع لإغرائهم.

من إعجابي بكلبي إسكوت، كنتُ قد أخذتُ له صورةً وهو جالسٌ في الحديقةِ قبل سنتين، ووضعتها في إطارٍ، ثم علّقتها على جدارٍ في غرفةِ نومي، رحتُ أتأملُ الصورةِ بفخرٍ، صورة كلبٍ وفيِّ جادَ بنفسِهِ في الدفاعِ عن بيتِهِ وأهلِهِ بأمانةٍ قلّ مثيلُها، قاوم مستميتًا حتى النهايةِ، وتركَ في نفسي ذكرى بطل.

القصةُ لم تنتهِ إلى هذا الحدِّ، فبعد رحيل إسكوت بشهرين، سمعتُ نُباحًا شديدًا في الحديقةِ ليلاً، نباح إسكوت نفسه، قلتُ في نفسي مدهوشًا:

ماذا يجري هنا؟! إنَّ إسكوت قد رحل، ولم يبقَ منه سوى ذكرى بطولته وصورة معلّقة على الجدار في غرفتي.

وازدادَ النباح شدّةً، وسمعتُ جريًا في الحديقةِ، وكأنها مطاردةٌ، مما أقلقني، فقفزتُ من فراشي وأنرتُ الغرفةَ، ونظرتُ إلى صورةِ إسكوت التي أمامي على الجدارِ، فلم أجد الكلبَ داخل الصورةِ.

- ياه، ما هذا؟!!! أين إسكوت؟! ماذا يجري في هذه الدار؟!

وبعد فترة صمتَ النباحُ، وعاد الهدوءُ إلى ما كانَ سابقًا، وإذا بإسكوت يعودُ إلى مكانِهِ في الصورةِ، شعرتُ أنه كان يلهثُ تعبًا ثم هدأ.

- آه... إسكوت! أين كنتُ؟! وما هذا النباحُ؟! وما هذه المطاردةُ؟!

ابتسمَ إسكوت داخل الصورةِ، وقالَ: قمتُ بواجبي كالسابق، لن أسمحَ للصِّ أن يعبرَ السياجَ، أيحسبُ اللصوصُ أنهم تخلّصوا مني، وأن دوري قد انتهى؟!

لا، أبدًا، سوف أحرسُ الدارَ دائمًا، وليسمع اللصوص نُباحي فهذا إنذارٌ لهم، سأمزّقهم بأنيابي ومخالبي إنْ اقتربوا من الدارِ، ثم صمتَ وهو داخل الصورةِ، وكأن شيئًا لم يكن.

هززتُ رأسي مراتٍ عدة، وأنا أتطلّعُ إلى الصورةِ... وقلتُ:

ماذا يجري هنا في هذه الدار؟!

 


 

زهير رسام