حكايات من السودان

حكايات من السودان

رسوم : أحمد ضاحي

السلحفاةُ والفأرُ

كانت هناك سلحفاةٌ عجوز, تعيش في جزيرةٍ رمليةٍ, بين الشجيرات والصخور, وسط إحدى برك الماء. كان يقطن مع تلك السلحفاة في تلك الجزيرة, فأرٌ لئيمٌ. كان ذلك الفأرُ يعادي السلحفاةَ, الى درجة اضطّرتها في أحد الأيّامِ أن تقرر ترك الجزيرةِ للفأرِ وحده.

كان الفأرُ اللئيمُ لا يبالي, لما تعانيه السلحفاة من سوء معاملته لها. كان الفأرُ يقول دائماً للسلحفاةِ: إن الأرضَ واسعةٌ, والجزرَ كثيرةٌ، إن عجبها فلتظل وإن لم يعجبها, فعليها أن تغادر الجزيرة, التي كان يعتبرها الفأر ملكًا له وليس للسلحفاة.

ذات يوم قرّرت السلحفاةُ مغادرةَ الجزيرة. أتت السلحفاة للفأر لكي تودّعه, حيث لم يهتم بها, وبيّن لها أنه لا يعرفها, وعليها أن تزول عن وجهه. حزنت السلحفاة وازدادت غيظًا من الفأر, الذي لم يراع شعورها, حتى عند رحليها.

بعد قليلٍ صارت السماءُ تمطر, والجزيرةُ تغرق في ماء النهر, الذي زاد منسوبه وزاد. تعلّق الفأرُ على إحدى الشجيرات، والتي صارت تغرق به رويداً رويداً في ماء النهر. أتت السلحفاةُ, وحملت الفأر, ووضعته على ظهرها, وسبحت به الى البّر ناجيا. أدرك الفأر قيمة السلحفاة وصار صديقا وفيا لها.

أبو الريش

كان هناك رجلٌ يحب الريشَ, مما جعل الناسَ يطلقون عليه اسم أبو الريش. كان أبو الريش على يقينٍ تامٍ بأن سلالته في أصلها ترجعُ الى بني الطيور ولا تنتمي إلى بني البشر, الشيء الذي جعله يدعي مقدرته على الطيرانِ والتحليقِ في الهواء.

كان أبو الريش يشبه في شكله صقر الحدي, له رأس صغير وأنف قصيرٌ وفمٌ طويلٌ وأذنان تصعب رؤيتهما، ويدان تلتصقان بكتفين مجنحتين، وساقان طويلتان ورقيقتان، وصوت أشبه بنعيق الغربان, على رأسه قبعة مزينة بريشتين.

كرّس أبو الريش جلَّ وقته في جمع الريش من كل مكان. ريش نعام وصقور وغربان وبجع ودجاج وحمام وغيره. ما زال أبو الريش يعمل ليلاً ونهارًا, لتحقيق حلمه, وحمل وزنه والتحليق في الهواء والطيران, للحاق بنوعه وسلالته.

ذاتَ يومٍ بحث أبو الريش عن أعلى بنايةٍ في المدينة للانطلاق من قمّتها. كانت البنايةُ هي برجُ المدينة, حيث منعه الحارسُ من الطيران منها. عاد أبو الريش الى منزله غاضبا من أمر الحارس, عازما على الانطلاق من سقف منزله.

اجتمع في يومِ الانطلاق كلُّ أهلِ المدينة, لرؤية أبو الريش الرجلِ الطائرِ, الذي لبس ريشه وصعد فوق سقفِ منزله بفخرٍ واختيال. مدّ أبو الريش عنقَه وصفّق بجناحيه وأطلق لساقيه العنان, فهوى على الأرض, حيث تطاير ريشُه في الهواء.

بدا أبو الريش للناس عاريا, بعد أن تطاير ريشُه في الهواء. طارت فكرةُ الطيران من رأس أبو الريش الصغيرة.

علّل أبو الريش للناس بأنّه مجرد إنسانٍ, شاكرًا لحارس البرج أنه جعله ينطلق من سقف منزله القريب من الأرضِ وليس من برج المدينة الشاهق الارتفاع.

الأطفالُ الجياعُ

كانت هناك امرأةٌ فقيرةٌ, تعتمد في كسب قوُتِها, وقوت أبنائها الأربعة الصغار, على الزراعة في موسمِ الخريف. بعد انتهاء موسم الخريف, تحصد المرأةُ ما زرعت, لتربي منه أطفالها الصغار, بعد أن توفي والدهم منذ أعوام.

في أحد الأعوامِ, غابَ فصلُ الخريفِ, وعانت المرأةُ الفقيرةُ وأطفالُها الصغارُ أشدّ معاناة, من جراء الجوع, الذي شدّ على بطونهم. لم تتمكّن المرأةُ الفقيرةُ من دفع ثمن غلة الذرة, لقلة ما تملك من نقودٍ.

ذات يوم دخلت المرأةُ الفقيرةُ دكانّ أحد تجار الذرة, وملأت إناءها ذرةً, وخرجت به في وضح النهار, وأمام الناس.

وصلت المرأةُ الفقيرةُ إلى دارها, وغلت لأطفالها الأربعةِ الذرةَ بالماءِ والملح في النار وأطعمتهم.

أدرك صاحب الدكانِ أمر المرأةِ الفقيرة وأطفالها الأربعة الجياع, والتي أرجعها عدّةَ مرات لنقصان ثمن غلة الذرة,وتأثر به، وحمل جوالا من الذرة على كتفيه إلى دار المرأةِ الفقيرةِ, التي أرهقها جوع أطفالها الأربعة.

الرجلُ الغريبُ

قبل عشرين عامًا, خرج صبيٌّ صغيرٌ يدعي بدر بعد وفاة والديه, للبحث عن عملٍ في ديارٍ أخر. لم يكن لبدر أخوةٌ, بل قليلٌ من الأقرباء وبعضُ الأصدقاء. ودّع بدر أقرباءه وأصدقاءه, وشدّ الرحال إلى هدف مجهول.

سافر بدر أيّامًا وليالي, وحلّ بكثير من البلدان من قرى وحضر, وتاه في كثير من الأزقّة والأركان, مجربًا حظه في كلّ مكانٍ وزمانٍ, إلى أن استقرّ به المقامُ في أحدِ الأوطانِ, حيث عاش هناك, ووجد عملاً لعدّة أعوام.

بعد عشرين عامًا, قرّر بدر الرجوعَ للقاء أقربائه وأصدقائه القدامى. شدّ بدر الرحال, وعاد إلى مسقط رأسه. وصل بدر إلى هناك, ولم يكن في استقباله أحد, غير الأطفال الصغار, الذين دلوه على من يريد.

أطلق الأطفالُ الصغارُ على بدر, اسم الرجل الغريب. لم يدر الأطفالُ الصغار, أن بدراً كان في عمرهم هذا, وأنهم أبناء أصدقائه وأنداده. حلّ بدر بديار آبائهم, بعد أن تغير شكلّه, وقوبل منهم بكلّ سرورٍ وترحاب.

الذئبُ والشفقُ

بينما كان الذئبُ مستلقيًا أمام عرينه لمح من على البعد شفقًا أحمر اللونِ, يمتدّ في الأفق البعيد, متموجًا وكأنه يلامس سطح الأرض. همّ الذئب بالذهاب إلى هناك، مكان وجود الشفق, والكشف عن حقيقته.

بعد أن فكرّ الذئب قليلاً, وظنّ أن الشفق الأحمر لايبعد عنه كثيرًا، صار يجري تجاهه.

صار الذئب يجري ويجري, حتى كاد يفقد أنفاسَه. كان الذئبُ يزداد طاقةً وصبرًا, عندما يزداد الشفق اقترابًا واحمرارًا.

بعد أن جرى الذئب مسافةً طويلةً واستغرق زمناً طويلاً، أدرك أن الظلام صار يعمّ ما حواليه, بعد أن أسدل الشفقُ القناع على وجهه, وصار يختفي رويداً رويداً. توقّف الذئبُ عن الجري, وصار ينظر إلى الشفق الأحمر, متحسرًا على جهده الضائع.

جمع الذئبُ قواه وجرّ ذيله تجاه عرينه, الذي وصله, بعد أن قطع مسافةً بعيدة. أدرك الذئبُ أن الشفقَ الأحمَر بعيدٌ ولا يمكنه الوصولُ إليه. دخل الذئب عرينه, وغطّ في نوم عميق, حتى شروق شمس اليوم الباكر, حيث أرسلت أشعتَها, والذئب ينظر إليها بتمعّن.

 

 

 


 

حسن إسماعيل خميس حميدة

 




غلاف هدية العدد