حكاية جَرْوين قوطي

حكاية جَرْوين قوطي

قصة: أوراثيو كيروجا (الأوروجواي)
ترجمها عن الإسبانية: محمد إبراهيم مبروك
رسوم: حلمي التوني

القوطي من جنس الحيوانات اللبونة (ذات اللبن)، صغيرة القد جميلة الشكل كثيفة الفراء الناعم، طويلة الذيل، وجميعها أمريكية الموطن (أمريكا الشمالية والجنوبية)، تألف الغابات الكثيفة الأشجار، وتقتات بالثمار والجذور والحشرات والبيض.

كان هناك قوطي عنده ثلاثةُ أبناءٍ صغار وكانوا يعيشون في الجبلِ معتمدين في طعامِهم على أكلِ الثمار، والحشراتِ، والجذورِ وبيضِ الطيور. وعندما يكونون فوقَ الأشجارِ ويشعرون بأي ضجةٍ يلقون بأنفسهم دون تفكيرٍ إلى الأرض، ويبتعدونَ وهم يجرونُ وذيولُهم مرفوعة.

وفي يوم، والأبناءُ القوط قد كبروا قليلاً، جمعتهم أمُّهم فوقَ شجرة برتقال، وتحدثت إليهم قائلة:

- يا قوط يا أولادي، حضراتُكم كبرتم بما فيه الكفاية لتبحثوا عن طعامِكم بأنفسكم وبمفردِكم، وهذا ما لا بد أن تعرفوه، لأنكم عندما ستكبرونَ، ستسعون دائمًا بمفردِكم، مثل كلِّ القوطِ. فأكبر واحدٍ من حضراتكم والذي له صداقةٌ متينة بجامِع القشورِ الغليظة يمكنه أن يعثر عليها بين جذوعِ الأشجار المتعفنة، حيث هناك قشورٌ وصراصيرٌ كثيرة، والثاني أكبرُ محبٍ لأكلِ الفاكهة يمكنه أن يجدَها في هذه الأرضِ المكتظة (المليئة) بأشجارِ البرتقال، وحتى شهر ديسمبر سيكون البرتقالُ متوافرًا. والثالثُ الصغيرُ والذي لا يحب سوى أكلِ بيضِ الطيور، يمكنه الذهابُ إلى كل الأماكن لأن أعشاشَ الطيورِ موجودةٌ في كلِّ مكان، ولكن عليه ألا يذهب أبدًا للبحثِ عن أعشاشٍ في الريف، لأن هذا يا قوط يا صغار، خطرٌ. وهناك أخطرُ شيء، وهو الذي يجب أن تخافوا منه، إنها الكلابُ.

فقد تعاركتُ معهم مرةً، وأعرف ما أقوله لكم عنهم. ولذلك فأنا عندي سنٌ مكسورةٌ من يومها. ووراءَ الكلابِ يأتي دائمًا الرجالُ بضجةٍ هائلة، ليقتلونا. ولذلك فعندما تسمعون ضجةً تقترب، اقفزوا بلا تفكير إلى الأرضِ لو كنتم أعلى الشجرةِ، وإن لم تتصرفوا بهذا الشكل، فسيقتلوكم بالتأكيد بعيار ناري.

هكذا تكلمتْ معهم الأمُّ، وكلهم نزلوا بعدها وتفرقوا، وساروا من اليمينِ للشمالِ، ومن الشمالِ لليمينِ كما لو أنهم فقدوا شيئًا ويبحثون عنه، ولأن حيوانات القوطي تسير هكذا. فالأكبرُ الذي يحب أكلَ القشورِ الغليظة بحث بين جذوعِ الأشجارِ المتعفنة، وأوراقِ الخضراوات، ووجد الكثيرَ منها فأكل حتى نامَ في مكانهِ. والثاني، وهو الذي يفضّلُ الفاكهة، عن أي طعامٍ آخر، فقد أكل أعدادًا من البرتقالِ الذي يحبه، لأن هذه البقعةَ المكتظةَ بأشجارِ البرتقال كانت داخلَ شعابِ الجبل كما هي الحال في جبالِ الباراجواي وفي دور الإرساليات، فلم يأت أحدٌ ليزعجه. أما الثالثُ، أصغرُهم، وهو الذي كان مجنونًا ببيض الطيور، ولذلك فقد كان عليه أن يمشي اليومَ بطوله ليعثر على عشين: واحد لطيور التوكان الذي كانت فيه ثلاثُ بيضات، والثاني لطيور القمري الذي كانت فيه بيضتان فقط، وهكذا فكلها خمس بيضاتٍ صغيرة، وهي أكلةٌ بالغةُ الضآلة تجعل القوطي الصغيرَ في آخر النهار ميتًا من الجوع مثلما كان في أوله!

لذلكَ فعندما كان على حافة الجبلِ، أحسّ بالحسرةِ الشديدةِ وهو يطل على الريفِ. وفكر في نصيحةِ الأم، وهو يقول لنفسه: «لماذا لا تحب ماما أن أذهبَ وأبحثَ عن الأعشاش في الريف؟».

لقد دفعه للتفكير بهذا الشكل سماعُه من بعيد تغريدَ طائرٍ «ياله من تغريدٍ بصوتٍ قوي! » قال ذلك وهو معجبٌ بالطائر - أي بيضات كبيرة لا بد ستكون في عشه!

عاد التغريدُ يتردد وعندما اندفع القوطي الصغيرُ جاريًا من الجبل، قاطعًا الطريقَ لأن التغريدَ كان عاليًا على يمينه، ونزلت الشمسُ بالفعل، فما كان من القوطي إلا أن طارَ بذيله المرفوع ونزل عند حدودِ الجبلِ في النهاية. وتطلع إلى أحدِ الحقول ورأى على البعد دارًا آهلة بالسكانِ، وميز رجلاً بحذاءٍ طويلِ الرقبةِ، يقود حصانًا بحبلٍ، ورأى أيضًا طائرًا هائلَ الحجمِ كان يطلق صياحَه، وعندئذ ضرب القوطي الصغيرُ جبهَته قائلاً:

- كم أنا غبي، فالآن عرفتُ بالفعل هذا الطائر، إنه ديكٌ. وماما أشارت لي عليه لأعرفه في أحد الأيامِ ونحن فوق الشجرةِ. والديوكُ لها صياحٌ جميلٌ وعندها دجاجاتٌ كثيرة وهي التي تبيض البيض. لو أمكنني أن آكل بيضَ الدجاجات!

ومن المعروف أن لا شيء محبوبًا أكثر لصغار الثعابين مثل بيض الدجاجات، ومن مدة قصيرةٍ كان القوطي الصغير متفقًا مع أمه في نصيحتها له. لكن الرغبةَ كانت أقوى منها. وظل متربصًا على حدود الجبل منتظرًا أن يحل الليلُ تمامًا. وعندما حلّ بدأ، وعلى أطراف أصابعه، وخطوة خطوة اجتاز الطريقَ إلى الدار. ولما وصل إلى هناك تنصّت بحذرٍ فلم يشعرْ بأقل ضجة. وكان القوطي الصغيرُ سعيدًا جدًا لأنه وجد طريقةً لالتهام مائة، ألف، مائتي ألف بيضة من بيض الدجاجِ الذي دخلَ حظيرته. وأول شيء رآه وتأكد من وجوده في المدخل، كان بيضة دجاجة، بيضة رائعة. كانت موجودة على الأرض. وفكر للحظة أن يتركها ليأكلها في النهاية كحلوى يحلي بها لأنها كانت بيضةً كبيرةً حقًا، لكن لعابَه سال فغرس أسنانَه في البيضة. وما إن فعل حتى فاجأه: تراك! وخبطةٌ مرعبةٌ على وجهه وألمٌ هائلٌ في الأنف والفم. ماما، ماما!

وظل يصرخ بجنون من الألم، قافزًا بلا جدوى إلى كلّ اتجاه فقد وقعَ في الفخ، وفي اللحظة نفسها سمع النباح خشن الصوت للكلب.

أثناء انتظارِ القوطي على حدود الجبلِ حتى يحل الليلُ تمامًا لكي يطير إلى عشِّ الدجاج، كان الرجلُ صاحبُ الدار يلعب مع صغيريه فوق الخشبة التي يدقون عليها الكتانَ والتيل. كانا مخلوقين شقراوين في الخامسة والسادسة من عمرهما، يجريان وهما يضحكان. وقعا ثم قاما ثانيةً وهما يضحكان ويعودان للوقوعِ ومثلهما وقع الأبُ أيضًا بفرحةٍ هائلة وضحكات من الصغيرين عليه، وفي النهاية توقفوا عن اللعب لأن الدنيا غرقت في الليل. وعندها قال الرجلُ لهما:

- سأذهب لوضع الفخ، كي يصطاد العِرْسَة (حيوان مفترس أكبر من الفأر حجماً وهو من عائلة القطط) التي تأتي لتخنق الكتاكيتَ، وتسرق البيضَ. وذهب لينصب الفخَ ثم رجع لهما فأكلوا واستلقوا كلُّ في سريره، لكن الصغيرين لم يناما، وأخذا يقفزان من سرير إلى سريرٍ، وتكعبلا في ملابسهما، والأبُ الذي كان يقرأ في غرفة الطعام تركهما يلعبان، لكن فجأة توقف الطفلان عن قفزاتهما وصرخا:

- بابا! العرسة وقعت في الفخ.. إن توكي ينبح! ونحن أيضًا نريد أن نذهب لنرى!

وافق الأبُّ، لكن ليس من دون أن يلبس الصغيران صندليهما، إذ أنه لن يسمح لهما بأن يسيرا حافيين في الليل، خوفًا عليهما من الثعابين.

ماذا يريان هناك بعدما خرجا؟ يريان أباهما وقد ابتعد، ممسكًا الكلبَ بيد، بينما يرفع باليدِ الأخرى قوطيا صغيرًا من ذيله، قوطيًا مازال صغيرًا حتى أنه يصرخ بزعيق متسارع وحادٍ كالصرصار.

- بابا لا تقتله! - هكذا قال الصغيران له - إنه صغيرٌ جدًا! اعطه لنا!

ورد عليهما الأب:

- حسنا، سأعطيه لكما، لكن بشرط أن تعتنيا به جيداً، وفوقَ كلِّ شيء لا تنسيا أن القوطي يشربُ الماء مثل حضرتكما تمامًا.

هذا ما قاله لهما، لأن الطفلين كان عندهما قطٌ جبلي صغيرٌ، وكانا يأتيان له باللحم في كل لحظةٍ من دكانٍ لبيعِ اللحومِ الباردةِ، لكن لم يقدما له الماءَ أبدًا، فمات.

وهكذا فقد وضعا القوطيّ الصغيرَ في القفصِِ نفسه الذي كان للقط الجبلي، والذي كان قريبًا من عشّةِ الدجاجِ، ومضوا كلهم ليستلقوا في الفراشِ مرةً أخرى.

كان الليلُ قد انقضى أكثرُ من نصفه، وكان السكونُ مطبقًا (شاملاً) والقوطي الصغير يتألم بلا حدود من أثر أسنانِ الفخ، عندما رأى على ضوءِ القمر ثلاثة أشباحٍ تقترب بلا صوتٍ وفي تكتم شديد.

القوطي الصغير المسكينُ وثب قلبُه في صدره عندما تعرّف على أمه وأخويه الاثنين، وقد جاءوا للبحث عنه، وهمهم القوطي المحبوسُ بصوتٍ خافت جدًا حتى لا يحدث ضجةً:

- ماما! ماما! أنا هنا، أخرجوني من هنا! لا أريد أن أبقى، ما.. ما!...

وأخذ ينتحب (يبكي) دون أن يعزيه شيء.

لكن رغم كل الذي حدث، فقد كانوا سعداء لأنهم وجدوه، وداعبوا خطمه ألفَ مرةٍ. وحاولوا بعد ذلك أن يخرجوه من حبسه، وفي أولِ الأمر حاولوا قطع السلكِ الشبكي ونزل القوط الأربعة عليه بأسنانهم، لكن ذلك كان بلا فائدة تُذكر، وعندئذ خطرت للأم فكرةْ فقالت لهما:

- هيا بنا نبحث عن أدوات الرجلِ صاحبِ البيت، فالرجالُ من بني آدم يكون عندهم أدواتٌ لقطع أسلاكِ الحديدِ يسمونها «مبارد» لها ثلاثة جوانب مثل الأفاعي ذوات الأجراس، تُدفع للأمام، وتُشد للخلف فتقطع، هيا بنا نبحث عنها!

تسلل الثلاثةُ إلى ورشةِ الرجل صاحبِ البيت وعادوا يجرجرون المبرد، وفكروا بأن واحدًا منهم بمفرده لن يكون قادرًا على القيام بالمطلوب، فأمسك الثلاثة المبرد بينهم وبدأوا العمل في حماسة تزايدت حتى أنهم في فترة قصيرة نجحوا في تحريكِ القفصِ ورجّه مما أحدث ضجةً عاليةً مزعجةً، وربما تكون هذه الضجةَ هي التي جعلت الكلبَ يستيقظ، مرسلاً نباحه الخشن، لكن القوط لم ينتظروا أن يطاردهم الكلبُ، وتفاديًا لعمل ِ فضيحةٍ، انطلقوا إلى الجبلِ تاركين خلفهم المبردَ مرميًا على الأرض.

وفي اليوم التالي، خرج الطفلان في وقت مبكر ليريا ضيفَهما الجديدَ، والذي كان حزينًا للغاية.

وسألت الطفلةُ أخاها:

- ما الاسم الذي سنسميه به؟

- أنا أعرف! - هكذا أجابها البارونُ الصغيرُ - سنسميه «سبعة عشر»!

- ولماذا يكون الاسم سبعة عشر، هذا اسم أفعى الجبل النادرة.

لكن البارونَ الصغيرَ، الذي كان يتعلم حسابَ الأرقام ربما استرعى انتباهه هذا الرقم في المسألة الحسابية، فكان أن سمّاه «سبعة عشر». ووضع الطفلان أمام القوطي الصغير خبزًا، وعنبًا، وشيكولاته، ولحمًا، وجمبري، وبيضَ دجاج بوفرة، ونجحوا في إطعامه حتى أنه، وفي يومٍ واحدٍ فقط، كفّ عن حك رأسِه. وبصراحة أكثر كان تحسنه يعود إلى تدليل الصغيرين له، إذ إنه عند حلولِ الليل كان القوطي تقريبًا مستسلمًا لأسره، وكان يفكر في كل لحظةٍ فيما وفراه له مما يحتاج إليه لطعامه هنا، وفكر في هذين الجروين الشقراوين ولدي الرجلِ صاحبِ البيت والفرحين به بشدة مثلما أنهما طيبان.

وخلال ليلتين متتاليتين نام الكلبُ على مقربة تمامًا من العشّة، التي لم تجرؤ عائلةُ الجروِ الأسيرِ على الاقتراب منها، بكل أسف. وعندما أتوا في الليلةِ الثالثةِ للبحث عن «المبرد» كي يعاودوا محاولةَ إطلاقِ سراح القوطي الصغيرِ، قال لهما:

- ماما... أنا لا أريد أن أذهبَ بعيدًا عن هنا، فهم يعطونني البيضَ الذي أحبه، وهم طيبون جدًا معي، واليومَ قالا لي بأنني لو سلكت سلوكًا حسنًا فسيتركاني مطلقَ السراح فورًا. إنهم مثلنا، فهم جراء أيضًا، ونحن نلعب معًا.

حيوانات القوط البرية حزنت وظلت حزينة جدًا من كلامه، لكنهم استسلموا، ووعدوا القوطي الصغير بأنهم سيأتون إليه كلَّ ليلةِ لزيارته.

وفعلاً كانوا يأتون كل ليلة، سواء كانت الدنيا تمطر أم لا، وتقضي أمه وأخواه وقتًا طويلاً معه، والقوطي الصغيرُ يمرر لهم الخبزَ من خلال السلكِ الشبكي، وحيوانات القوطي البرية تقبع لتأكلَ أمامَ القفص.

وبعد أن أتم خمسةَ عشرَ يومًا من يوم أن أمسكَ به الفخ، انطلق القوطي الصغيرُ في سيرهِ بخفة، وهو بنفسه عادَ في الليل إلى قفصه، وتفادى العديدَ من قرصةِ الأذن حتى يأخذَ نفسَه بالشدة، فلا يوغلٌ في المشي بعيدًا حتى عشة الدجاج. وهكذا سارت الأمورُ بشكلٍ طيبٍ بينه وبين المخلوقين، وقد أحبّ بعضهم بعضًا كثيرًا. وحيوانات القوط البرية نفسها، لما رأت الطيبةَ من جروي البني آدم، كانوا يتجمعون ليداعبوهما، إلى أن كانت ليلةً شديدةَ الظلمة، والحرارة، والرعد.

في تلك الليلة، جاءت حيواناتُ القوطي البرية ونادت القوطي الصغيرَ، لكن ما من أحدٍ رد عليهم، اقتربوا أكثر وهم قلقون جدًا، ولحظتها رأوا تقريبًا وهم يدوسون عليها أفعى هائلةَ الحجمِ. وكانت ملتفة في مدخلِ قفص القوطي. أدركت حيواناتُ القوطي على الفور أن القوطيَّ الصغيرَ لدغته الأفعى، وأنه ربما يكون الآن ميتًا، لذلك لم يرد عليهم. فاندفعوا للانتقامِ له، وأخذ حقِه كاملاً، وفي ثانيةٍ واحدةٍ، وفي حالةٍ من الجنونِ، دخل الثلاثةُ على الأفعى ذاتِ الأجراس، وهم يتقافزون هنا وهناك مرةً ومرةً، وفي ثانية انقضوا على رأسها وفتتوه بعضات أسنانهم.

وبعدها جروا إلى داخلِ القفصِ، وهناك بالفعل كان القوطيُّ الصغيرُ ممدّدًا، ومتورمًا، بأرجلٍ ترتعش بعنفٍ وهو يموت. وأسرعت إليه حيواناتُ القوطي البرية تحركه، وتلحس جسمَه كله بألسنتهم حوالي ربع الساعة، بلا فائدة، بعدها فتح القوطي الصغير فمه وأخرج نفسًا واحدًا وتوقف عن التنفس لأنه مات.

يقال إن حيوانات القوطي البرية تقاوم سمَّ الأفاعي، وتقريبًا لا يؤثر السمُّ فيها، بأي شكل. وكذلك هناك حيواناتٌ أخرى تقاوم تمامًا سمَّ الأفاعي مثل الاستاكوزا. ومن المؤكد أن القوطيَّ الصغيرَ تعرض للعضِ في شريانٍ أو وريدٍ، لأن الدمَ عندئذ يتسمم على الفورِ والحيوان يموت. وهذا ماحدث.

بكت أمه وأخواه عليه فترة طويلة لما رأوه هكذا. وبعد ذلك، وبما أنه لا شيء يمكن عمله هناك، خرجوا من القفصِ وهم يدورون بأعينهم فيما حولَهم ليلقوا النظرةَ الأخيرةَ على البيتِ الذي كان مصدرَ سعادةٍ كبيرةٍ للقوطي الصغير، وخرجوا ذاهبين مرةً أخرى إلى الجبلِ.

لكن حيوانات القوطي البرية الثلاثةَ، كانت، بلاشك، مهمومةً بشدةٍ، وكان همهم الأكبرُ هو: ماذا سيقول الصغيرانِ عندما تقع عيونُهما على صديقهما الحبيب القوطي الصغير ميتًا؟ لقد أحبه الصغيران جدًا، وهم - حيوانات القوطي البرية - يحبونَ أيضًا الجروين الشقراوين.

وهكذا برقت الفكرةُ نفسُها عند حيوانات القوطي الثلاثة لتجنيب الصغيرين كلَّ هذا الألمِ الذي لا يُطاق. لقد تحدثوا مع بعضهم لفترة طويلةٍ، وفي النهايةِ كان قرارُهم التالي: القوطي الثاني في ترتيب الأبناء الثلاثةِ، والذي يبدو أكثر شبهًا بأخيه، على الأقل من ناحيةِ حجمِ جسمه، بالشكلِ الذي يتيح له أن يذهبَ ويبقى في القفصِ بدلاً من المرحومِ. وكما أنهم يعرفون أسرارًا كثيرة عن البيتِ، من خلال القوطي الصغيرِ، فإن الجروين الشقراوين لن يدركا شيئًا، وربما سيستغربان قليلاً من بعض التصرفاتِ، لكن لاشيء أكثر من ذلك.

وهكذا جرت الأمورُ. وبالفعل أسرعوا بقفزاتٍ طويلةٍ إلى البيتِ، وسرعان ما حلّ قوطيُّ جديدٌ محل القوطي الأول، بينما الأمُ والقوطي الآخر يمسكان بأسنانهما جثةَ الأصغر، ويحملانه ببطء شيئًا فشيئًا، وعلى مهلِ إلى الجبل. وكان رأسه معلقًا، متدليًا، وذيله مجرورًا على الأرض.

وفي اليوم التالي، استغرب الصغيران، بالطبع، بعضَ العاداتِ غير المعتادة للقوطي الصغير، ولكن لأن ذلك كان يبدو شيئًا لا بأس به، بل طيبًا لطيفًا منه، مثلما كان من الآخر، فالمخلوقان الشقراوان لم يكن لديهما أقلُّ شكٍ، وكونوا العائلةَ نفسها من الجراء التي كانت من قبل. أما عن حيواني القوطي البريين اللذين يأتيان من ليلةٍ إلى أخرى ليزورا القوطي الذي تم استئناسُه، فإنهما يجلسان إلى جوارِه ليأكلا قطعًا صغيرةً من البيضِ المسلوقِ، والذي يحتفظ به لهما، بينما يحكيان له عن الحياةِ في الغابة.

 


 







غلاف هدية العدد