بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

المُقنّع يبحث عن عروس

أتى الصيف وامتلأت غابات شرق أفريقيا بالزهور والنباتات، التي أورقت غصونها، التي كانت عارية في الشتاء.

طرحت أشجار الجاكارندا زهورها البنفسجية وأخضرت أشجار البوانسيانا، ثم ازدهت بمظلة الزهور الحمراء النارية الرقيقة الكبيرة.

صارت الدنيا ملونة بجمال، ومن بين ألوانها البهية تألق العصفور المُقنّع الأصفر الزاهي. الأصفر هو لون بطنه وصدره أما جناحاه فهما بنيان فاتحان بينما رأسه مكسو بريش أسود فاحم كأنه قناع من القطيفة. وعبر هذا القناع كانت تلمع عيناه المدورتان الصافيتان بلون الكهرمان. إنه جميل كله وهو يعرف أنه جميل . ولما كنا في موسم التزاوج فإن المقنّع راح يبحث عن عروس . أخذ يتقافز بين أغصان شجرة البوانسيانا ذات الزهور الحمراء ويقف في الأعالي منتفشًا كاشفًا عن لون بطنه الأصفر الجميل ومستعرضًا بهاء جناحيه وسحر عينيه الصافيتين المطلتين من القناع الفاحم . لاشك أنه جميل . ومع ذلك لم تقبل عصفورة واحدة أن تكون عروسًا له مما أصابه بالإحباط وأثار استغرابه. نظر حوله فوجد أقرانه الأقل جمالا منه يحظون بعرائس جميلات ويسكنون في أعشاش جديدة.

خمَّن السر. ومن فوره راح يستعمل الخبرة التي ورثها عن والديه إضافة لجمال ألوانه. إنه طائر نسّاج يجيد شيئين يتمتع بهما كل طائر من نوعه وهما ربط العُقَد ونسج العشب والأغصان. وبسرعة انهمك في العمل وأخذ ينتقي الأغصان الرفيعة الطرية ويربطها معا من أطرافها مكونًا هيكل عش. كان يستخدم منقاره وإحدى قدميه لعمل العقد وشدها لتكون متينة. وبعد أن أنجز هيكل العش راح ينتقي من العشب الأخضر أطول وأطرى أعواده وينسجها كما ينسج البشر القماش والسجاجيد.. خيوط طولية متوازية تتخللها خيوط عرضية تصعد وتهبط حول الخطوط الطولية. هكذا اكتسى هيكل العش بالجدران الخضراء وصار جاهزا للسُّكنَى. عندئذ تعلق العصفور المقنّع النساج بعشه المعلق ولم يكن في حاجه إلى استعراض جمال ريشه ولا صفاء عينيه ليجتذب عروسًا. لقد راحت عرائس العصافير تطير وتتقافز من حوله مبدية إعجابها بالعش الذي بناه وكان خجلها يمنعها من إبداء الإعجاب بجماله هو. أما هو فلم يضيع وقتا طويلا ليختار أجمل العصفورات عروسًا له. دعاها لتشاركه الحياة في العش. و«صو صو صو».. ودّع العصفوران العروسان بقية العصافير وهما يدخلان عشهما الجميل بسعادة.

 


 

محمد المخزنجي