صَانِعُ العَرَائس

صَانِعُ العَرَائس

رسوم: محسن رفعت

جلسَ صانعُ العرائسَ في ورشتِهِ يتأملُ العرائسَ المختلفةَ التي صنعها على مدارِ حياتِهِ، هذا القردُ المعلقُ من القماشِ المحشوِّ بالقطنِ، كان أوّل عروسة صنعَهَا، وهو مازال شابًا صغيرًا، أما هذا الحمار الوحشيّ المصنوع من الجلدِ والقماشِ، فقد صنعه من أجلِ مسرحيةٍ لمسرحِ العرائسَ، وقد أحبّها الأطفالُ كثيرًا، وصارت شهيرةً في هذه الأيام، ولهذا ازداد الإقبال عليه في صنعِ العرائسَ، وهذه البنتُ الجميلةُ ذات الشعرِ الأصفرِ، فقد صنعها من أجلِ مسلسلٍ تلفزيونيٍّ.

- ما أجملها أيام...

هكذا قال صانعُ العرائسَ، فقد كانت العرائسُ في هذه الأيام هي فرحةَ الأطفالِ، أما الآن، فإن صانع العرائسَ يجلسُ في ورشتِهِ وحيدًا، يحاول أن يصمّم وينفّذ عرائسَ جديدةً، ولكنه لا يستطيع، فلا أحد يطلب منه عرائسَ الآن.

تحدّث صانعُ العرائسَ بحزنٍ:

- ظهرت الألعابُ البلاستيكيةُ والمعدنيةُ، وأغرت الأولادَ، وفضلت التلفزيونات عرض الرسومِ المتحركةِ، أما مسرح الأطفالِ، فنادرا ما يعرضُ مسرحيةً جديدةً.

فكّر صانعُ العرائس:

- وهل معنى هذا أن يُحرم الأطفالُ من أصدقاءٍ حقيقيين كالعرائس، إنهم يفرحون بالأطفالِ كما يفرحُ الأطفالُ بهم.

وأرادَ صانعُ العرائسَ أن يتحدّث مع عرائسِهِ، ولكنهم لا يتكلمون، هو فقط يستطيع تحريكهم، وفي العروضِ المختلفةِ، يغيّر صوتَه كي يتحدث بدلاً منهم، دائمًا هم على المسرحِ أمام الأطفالِ، أما هو، فمختفٍ وراء الستارةِ السوداءِ، ولكنهم اعتادوا أن يصنع لهم كل شيء.

وكانت العرائسُ تشعرُ بما يدور في ذهنِ صانعها، وتريدُ أن تبلغه بمدى حزنِها، التقت عيونُ العرائس بعضها بعضًا، وقرروا أن يخرجوا عن صمتِهِم، ولكن كيف؟ وهم لا يعرفون سوى الأغاني، التي حفظوها من كثرةِ ترديد صانعِ العرائس لها على خشبةِ المسرحِ في المسرحياتِ المختلفةِ، استجمعت العرائسُ قوتها، وبدأت في الغناءِ معًا، وفي صوتٍ واحدٍ، أخذ يتعالى حتى سمعه صانعُ العرائسَ، تلفّت صانعُ العرائس حولَه، وعندما رأى العرائسَ تتحرّكُ وتغنّي، بدأ يغنّي معهم، وكوّنت العرائسُ دائرةً كبيرةً حولَ صانِعها وهم يرقصون، ضحك صانعُ العرائسَ لأول مرة منذ فترة طويلة، وفي النهايةِ، قال لهم: لقد أصبحتم عرائسَ كبيرةً، ويمكنكم الاعتماد على أنفسِكم وأنا سعيدٌ بهذا.

وفكّر صانعُ العرائسَ أن يعيد الصداقةَ التي كانت بين الأطفالِ والعرائسَ، ولذلك قرر أن يهدي عرائسَه إلى الأطفالِ، فأهدى الدبَّ الأبيضَ المصنوعَ من الفروِ إلى حفيدتِهِ، وأهدى الحمارَ الوحشيّ إلى ابن جارِه في السكن، أما القطةُ الصغيرةُ، فقد ذهبت إلى طفلٍ متفوّقٍ، والولد المرتدي زي الضابط أهداه إلى ابن أحد الأقاربِ، وهكذا أصبح في كل بيتٍ من البيوتِ التي حوله عروسة، وبدأ الأطفالُ في اللعبِ مع العرائسَ، وشعر الأطفالُ بأن العرائسَ تبادلهم اللعبَ، وعندما توطّدت العلاقةُ أكثر بين الأطفالِ والعرائسَ، وأصبحت صداقةً، تحرّرت العرائسُ من قيودِها، وبدأت في الغناءِ مع الأطفالِ.

وبمرور الوقتِ، شعرَ الأطفالُ بأنهم لا يستطيعون الاستغناءَ عن العرائسَ، فأصبحوا يحكون لهم ما يضايقهم، ويطلبون منهم المشورةَ، وكذلك العرائس، فقد حكوا للأطفالِ عن حزنِ صانع العرائسَ وأزمته.

وفي يومٍ من الأيامِ، فوجئ صانعُ العرائسَ بأطفالٍ كثيرين يطرقون بابَه، ويطلبون منه أن يصنع لهم عرائسَ جديدةً، فرحَ صانعُ العرائسَ بالأطفالِ، وطلب من كل طفل أن يصف له العروسةَ التي يريد أن تكون صديقةً له.

 


 

نجلاء علام