الأشجار أيضاً تتألم!!

الأشجار أيضاً تتألم!!

رسوم: صلاح بيصار

شجرةُ توت. كانت تعيشُ في حديقةٍ لها سورٌ عالٍ يحميها من عبثِ الأولاد، كانت الشجرةُ خلفَ السورِ تشتاقُ لمعرفةِ ما خلفه، وأن تتفرج على الناسِ الذين تسمعُ أصواتَهم ولا تعرفُ أشكالَهم.

تمنت شجرةُ التوتِ أن تكبرَ بسرعةٍ.

استفسرت منها شجرةُ ورد بجوارها عن السببِ، فأخبرتها أنها تريد أن تكبرَ مثل كل الأشياءِ التي تكبرُ من حولِها.

بعد سنوات كبرت شجرةُ التوتِ، ولأنها كانت قريبةً من سور الحديقةِ، بدأت فروعها تمتد عليه، وتتدلى خارجَه لتطل على الشارعِ، وهذا ما ساعدها على رؤيةِ الأولاد الذين كانت تسمع أصواتَهم فقط، رأتهم يلعبون الكرةَ التي كثيرًا ما اصطدمت ببعضِ أغصانِها فأوجعتها، لكنها كانت تنسى أوجاعَها بسرعةٍ، إلا أن عادم السيارات المارة في الشارعِ ضايقَها ولوّث أوراقَها واصفرّ بعضُها، وأحسّت بعض الوقت بالاختناق.

تغيرت حياةُ شجرة التوتِ، آلات التنبيه الصادرة من السيارات لا تجعلها تحظى بلحظاتِ الهدوءِ السابقةِ، العصافيرُ التي كانت تقفُ عليها مزقزقةً، مغرّدةً، بدأت تهجرها لأنها أصبحت في متناولِ الأولاد لمطاردتها لصيدِها.

سرحت شجرةُ التوتِ وهي شاردةً، تحاولُ أن تتذكر حينما كانت صغيرةً، تتبادلُ الحكايات والنكات مع العصافيرِ، والعصافير وجدت بين أوراقَها مكانًا آمنًا، تغفو دون خوفٍ وقت الظهيرةِ.

بدأت ثمارُها تنضجُ. فرحت لأن العصافير والطيور ستعود إليها، ستمنحهم لأول مرة ثمارَها من التوتِ الذي سمعت الأولاد يقولون كلامًا حلوًا عن طعمِهِ، ولكنها أحسّت بأن الطيور تخاف الاقتراب منها حرصًا على حياتها من حجارةِ بعض الأولادِ، فبدأت تنتفض حزنًا وغضبًا لكي يسقط التوت على الأرضِ، وينسى الأولاد قذفها بالحجارةِ، ولكن دون جدوى، وشعرت بأنها تفتقد شيئًا لا تعرفه: هل هو لمّة الأصدقاء من الطيورِ في أحضانِها؟! هل هو الهدوء الذي كان يمنحها فرصةً للتفكيرِ والأحلامِ الجميلةِ ؟! حاولت أن تعرف، ولكنها فشلت، فاستسلمت لأحزانِها، ومع مرور الأيام كانت تحسّ بالوجعِ في كل فروعِها، تمزّقت أوراقُها، لمحت غرابًا يحلّقُ بالقربِ منها، هي تعرفه. فرحت، فهو كثيرًا ما أسعده الوقوف بين أوراقَها طلبًا للراحةِ، الغرابُ لم يعرها انتباهًا كأنه لا يعرفها، تعجّبت. نادت عليه. التفت إليها خائفًا، متوجسًا، صعبت حالها عليه، فحاولَ الرجوع إليها، ولكن حجارةَ الأولاد التي كانوا يقذفونها من أجلِ إسقاط الثمار كادت تصيبه، فهرول مسرعًا في الطيرانِ بعيدًا عما تخيله نوعًا من الخطرِ على حياتِهِ.

في هذه اللحظة، اخترقَ قلبَها وجعٌ أشد قسوةً من وجعِ الحجارةِ التي حطّمت فروعَها، وأسقطت أوراقَها وثمارَها. إنه وجعُ الندمِ الذي تأكدت أنه لن يفيد.

في تلك اللحظةِ، تأمّلها ابنُ صاحب الحديقةِ، وأحسّ بما تعانيه، فربتَ على جذعِها بحنانٍ لا يخلو من العتابِ وقال لها:

- تمنيتِ أمنيةً، أن تصبحي كبيرةً. لكن ليس بالأمنيات وحدَها تتحققُ الأحلامُ الجميلةُ!

 


 

مجدي نجيب