رانيا

رانيا
        

رسوم: أمين الباشا

          كان يومًا حارًا، رانيا تحب الصيف لأسباب عدّة، أولها أن المدارس تغلق أبوابَها لمدة ثلاثةِ أشهرٍ هي العطلةُ السنويةُ.

          من نافذة غرفتها ومن كل نوافذ المنزل، تستطيع أن ترى الشاطئ الرّملي والبحرَ. ذلك اليوم، خرج والدها وأخوها فؤاد كالعادة إلى العمل، وخرجت أمها لتشتري ما ستطبخه للغداء. ورانيا تعتبر أن والدتها أهم طبّاخة في العالم!

          وقفت قرب النافذة وراحت تتطلّع إلى الشاطئ، وتمنت لو تكون مع السباحين والسباحات الذين ملأوا الشاطئ ألوانًا وبهجةً بثيابهم البحرية الخاصةِ، وتساءلت لم لا تخرج وتقترب من الشاطئ؟

          هكذا فعلت بعد أن أغلقت البابَ وسارت إلى الشاطئ، جلست بعيدةً عن الأمواج وقريبةً جدًا من الناس.

          في ذلك الوقت كانت أمّها قد عادت إلى المنزل وراحت تطرق على الباب، لكن دون جواب، رانيا على شاطئ البحر، خافت الأمُّ عندما نادت مرارًا كثيرة.. رانيا.. رانيا.. سألت جيرانَها عن ابنتها. لم يرها أحدٌ، طافت الأم والجيرانُ في كل الأمكنة دون جدوى، وردّدت مرارًا أنها طلبت من ابنتها ألا تخرج من البيت، عندما بحثوا عن رانيا في كل الأمكنة، اتجهوا نحو الشاطئ الذي غَصَّ (امتلأ) بالناسِ، واقتربت الشمس من الأفق والغروب لن يطول مجيئه، مسكينة أم رانيا راحت تبكي، أين رانيا؟ لم يجدوها على الشاطئ، وما كان من الأم والجيران إلاّ العودة إلى المنزل، وفتحوا الباب بقوّة ولم تكن رانيا داخله. ازداد بكاءُ الأم. فجأة ظهرت رانيا على مدخل المنزلِ وارتمت بين ذراعي أمها التي اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول لها: ألم أقل لك ألا تخرجي من البيت؟ لماذا فعلت هذا؟ وأين كنت؟

          أجابتها رانيا وهي تبكي: كنتُ على الشاطئ، لست أدري ماذا دهاني، قلت سأذهبُ وأمضي وقتًا قصيرًا. قالت لها أمها: لكنك بقيت طول النهار، لماذا فعلت هذا؟ أجابتها رانيا: الحرُّ.. وجمالُ الشاطئ والبحرُ والألوانُ المفرحةُ، قلت بنفسي: سأخرج قليلا ثم أعود، لكني لن أخرج بعد الآن وحدي، وإن كان الطقس حارًا والشاطئ جميلاً، أرجوك يا أمي سامحيني.

          خرج الجيران بعد أن اطمأنوا وعادت البسمةُ إلى المنزل، وما إن مضت دقائق حتى دخل الأبُ وابنه عائدين من العمل، واستغرب الأب أن الطاولةَ ليست مهيأة للعشاء كالعادة. وسأل: ماذا حصل؟ أين العشاء؟ قالت الأم: آه.. العشاء.. قرّرت أنا ورانيا ألا نطبخ اليومَ، كما قررنا أن ندعوكما إلى مطعم على شاطئ البحر. أجاب الأب: ما هي المناسبةُ السعيدةُ؟ ألم تكونا في البيت؟ قالت الأم: لا، لقد دعتنا الجارة للغداء في منزلها، كان يومًا سعيدًا جدًا.

          وهي تتكلم كانت عينا رانيا تنظر إلى أمها باندهاش ممزوج بالفرح وفهمت أن أمها بدل أن تجعل جو المنزل كئيبا لما حدث اليوم، قلبت القصة إلى قصة مفرحة، وكان السمك طازجًا في المطعم. ورانيا تردّد في سرها أنها ستطيع أمها، وستفعل ما ستطلبه منها، هذا أفضل لها ولجميع العائلة.

 


 

إنجيل أورياتا