الصحة... في أغذية قوس قزح.. رءوف وصفي
|
|
الصحة... في أغذية قوس قزح.. رءوف وصفي
انظر حولك سوف ترى أن الطبيعة تمتلئ بالألوان المختلفة، بدءًا من الزهور والأشجار إلى أجنحة الفراشات وذيول طيور الطاووس والشمس الغاربة والسماء الزرقاء وقوس قزح، وكأن الطبيعة في عرس دائم. حتى الفاكهة والخضراوات التي تأكلها، غالبًا ما تكون لها ألوان مميزة متألقة، فالفراولة شديدة الحمرة، والسبانخ عميق الخضرة، والجزر يتسم باللون البرتقالي الزاهي، كما أن هناك نوعًا من الليمون أصفر اللون، والأمثلة كثيرة ومتعددة. ولهذا يطلق على هذه الأطعمة الملونة أغذية قوس قزح. وغالبًا ما تستخدم الحيوانات والنباتات الألوان، لجذب الانتباه إليها. كما أن الألوان الغنية المركزة، تحقق فائدة أخرى للنباتات. فقد أثبت العلماء أخيرًا، أن الصبغات المسئولة عن تلك الألوان، تحمي بالفعل النباتات، مما قد يصيبها من أضرار كيميائية في داخلها. وعندما نأكل نحن تلك الثمار الملونة، فإن الصبغات والألوان التي بها تحمينا نحن أيضًا. وتنتمي الصبغات التي تسبب الألوان المميزة للنباتات، إلى نوعية من المواد الكيميائية يطلق عليها «مضادات الأكسدة»، وتقوم بإعاقة تأكسد الدهون والزيوت، وبذلك تحفظها من الفساد. وتصنع النباتات مضادات الأكسدة، لتوفر لها الحماية من الأشعة فوق البفنسجية الضارة الصادرة من الشمس. وتؤدي هذه الأشعة، إلى تكوّن «الشقوق الحرة» داخل خلايا النباتات، وحيث إنها مواد كيميائية ضارة، فإنها تبدأ في تدمير أجزاء النبات، ما لم يتم إبطال مفعولها والقضاء عليها. وقد تتساءل: كيف يمكن إبطال مفعول «الشقوق الحرة» والقضاء عليها؟ تسألني فأجيبك: إن مضادات الأكسدة، هي التي تعمل على وقف مفعول الشقوق الحرة تمامًا، وبالتالي تحمي الخلايا النباتية من أي ضرر. وعادة تحتوي النباتات ذات الألوان الزاهية، على تلك المواد الكيميائية الوقائية «مضادات الأكسدة» أكثر مما تحتويه النباتات باهتة الألوان. والحقيقة أن «الشقوق الحرة» لا تمثل مشكلة للنباتات فقط، بل إنها تؤثر في البشر والحيوانات أيضًا. كما أن الأشعة فوق البفنسجية، ليست هي المدر الوحيد لتلك المواد الكيميائية الضارة. فأنت إذا تنفست هواءً ملوثًا - مثل دخان السجائر أو غازات عادم السيارة أو الأبخرة التي تنطلق من أحد المصانع - فإنك عندئذ تستنشق مواد كيميائية تحدث الأضرار نفسها، التي للشقوق الحرة. هذا بالإضافة إلى أن الجسم نفسه، ينتج شقوقًا حرة، أثناء هضم وامتصاص الطعام. وتشبه الشقوق الحرة، كلبًا ودودًا خرج إلى الحديقة واتسخ بالطين. فإذا لعبت مع هذا الكلب وأنت ترتدي قميصًا أبيض اللون. فإن الكلب سوف يترك عليه بقعًا واتساخات من آثار مخالب يديه وقدميه. ولسوء الحظ فإن الطين ربما يترك بقعًا دائمة على قميصك. وليس الأمر أن الكلب يريد أن يؤذيك، بل إنه فقط يريد أن يلتصق بك، ويندمج معك. وبالمثل يمكن للشقوق الحرة، أن تلتصق وتندمج مع الجزيئات في الخلية، غير أنها أثناء ذلك الامتزاج، تغيّر شكل هذه الجزيئات إلى قالب جديد، غير مفيد أو نافع للخلية. فعلى سبيل المثال، يمكن للشقوق الحرة أن تهاجم «اللبيدات»، وهي مركبات عضوية تشتمل على أنواع من الدهون، تحيط بالخلية كسور يحميها من دخول وخروج المواد الكيميائية، إلا تلك المطلوب دخولها أو خروجها فقط. كما يمكن للشقوق الحرة أن تتلف جزيئات «دنا» DNA، وهي المادة الوراثية الموجودة في نواة الخلية، والتي تضع الخطة لكيفية عمل الخلية. كذلك فإن البروتينات، وهي الجزيئات الموجودة بالخلية لكي تقوم بعملية بناء وحفظ وتجديد خلايا الجسم، تواجه المشكلات إذا صادفت في طريقها هذه الشقوق الحرة. وعمومًا فإن الشقوق الحرة تحول دون التشغيل الصحيح لوظائف الخلية في الجسم. وأجسامنا لها دفاعات طبيعية ضد الشقوق الحرة. فالجسم يصنع جزيئات خاصة مضادة للأكسدة، يطلق عليها «أنزيمات الإصلاح»، والأنزيمات هي مركبات عضوية تضبط التفاعلات الكيميائية في الجسم. وتوقف أنزيمات الإصلاح عمل الشقوق الحرة، قبل أن تسبب أضرارًا لنا. إن ذلك يشبه إحدى ألعاب الفيديو، حيث تتصارع أنزيمات الإصلاح «الطيبة» مع الشقوق الحرة «الشريرة»، للسيطرة على الخلية، ومن ثم المتجعدة وبعض أمراض القلب والسمنة الشديدة وغيرها، ترتبط بهذه الشقوق الحرة. ويمكننا حماية أنفسنا، بإدخال «تعزيزات» إلى أجسامنا تتمثل في مضادات الأكسدة، بأكل تشكيلة متنوعة من الفاكهة والخضراوات الطازجة ذات الألوان الزاهية. لهذا يجب أن تضعها دائمًا في قائمة طعامك، وتكثر من تناولها قدر إمكانك. ولكن مادامت مضادات الأكسدة عبارة عن مركبات كيميائية، فلماذا لا نصنع أدوية جيدة مضادة للأكسدة؟ تسألني فأجيبك: الحقيقة أن الذين حاولوا صنع هذه الأدوية، وجدوا أنها لا تفيد مثل أكل الفاكهة والخضراوات. وعلى ذلك، ففي المرة القادمة التي ستزور فيها أحد المتاجر الكبرى، ما عليك إلا أن تختار الفاكهة والخضراوات التي تتميز بالألوان الزاهية، ثم ابدأ العمل في مطبخ منزلك. ولعلك تتمكن من تحضير وجبة - أو حتى طبق من «السلاطة» - لم تتذوقها من قبل، تكون حسنة المنظر ولذيذة الطعم في الوقت نفسه. وأثناء هضمك لتلك الوجبة المفيدة، سوف تبدأ مضادات الأكسدة في أداء دورها الكيميائي في مقاومة تأثير الشقوق الحرة، وإكسابك الصحة والعافية.
|