بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي
        

مَسْكِن بين الأشواك

          صحراء الجنوب الغربي في أمريكا، أرض قاحلة شديدة القسوة مرتفعة الحرارة، لا تنمو فيها أشجار كبيرة ولذلك يندر فيها الظل، لكن هناك أنواعاً عملاقة من الصبار الشوكي تنمو في أرضها، وهناك نوع من العصافير نقارة الخشب يعيش في هذه الصحراء، منقاره قوي مثل أقاربه الذين يعيشون في الغابات، لكنه يتميز عنهم بأن مخالبه أقوى وذيله أطول وأمتن، وهذا كله يهيئه للمهمة التي ينبغي أن يقوم بها ليسكن في هذه الصحراء، فهو يتعلق بقمة صبارة عملاقة متشبثاً بمخالبه مستندًا إلى ذيله بينما منقاره الصلب ينقر طق طق طق، يحفر باحثا عن طعامه من الحشرات المختبئة بين شوكات الصبار العملاق، لكنه في مرة من المرات يستمر طويلاً في النقر، لا يبحث عن طعام هذه المرة، بل يبني مسكنًا على طريقته، يحفر في جسم الصبارة فجوة كبيرة يتخذ منها عشا يأوي إليه عندما يجيء الليل وتشتد برودته التي لا يتحملها، ويخرج من عشه في النهار ليسعى على رزقه ملتقطًا الحشرات من بين أشواك الصبار، فالحشرات لاتستطيع الطيران في جو هذه الصحراء الحارق، لكن ندرة المساكن والأعشاش في هذه البيئة القاسية تجعل آخرين يطمعون في الاستيلاء على المسكن وهو غائب عنه، ماذا يفعل النقار؟ إنه يتصرف بحكمة مدهشة، فهو عندما يخرج من عشه لا يتركه فارغًا، بل يسلمه لساكن جديد لا يحتمل حرارة الشمس ليقضي فيه النهار، إنها بومة، والبومة كما نعرف طائر ليلي، تسعى على رزقها في الليل وتنام طوال النهار، وعندما يهبط الليل يعود نقار الخشب ليبيت في مسكنه وتخرج البومة لتسعى على رزقها، هكذا يصير العش مسكنًا لطائرين في هذه البيئة القاسية التي تعز فيها المساكن، وبالتعاون تصير الحياة في صحراء الشوك ممكنة بل جميلة أحيانًا، صحيح أن نقار الخشب هو الذي صنع العش، لكن لولا أن البومة تسكنه في النهار لضاع منه العش وهو غائب عنه وسكنه أي وافد غريب.

 


 

محمد المخزنجي