سر المارد.. سمير البرقاوي
سر المارد.. سمير البرقاوي
رسم: أحمد البغلي في صباحِ يومٍ جميلٍ، أخذ رجلٌ يتجولُ في شوارعِ القريةِ، وهو يلبسُ الملابسَ الرسميةَ الخاصةَ بالعاملين لدى قلعة المارد، بينما يقومُ بالقرعِ على طبلٍ كبيرٍ يحمله، حينها بدأ الناسُ يتبعونه ليعلموا ما سيقوم بالإعلانِ عنه، فهو الموظف المعني بتبليغ القرارات الرسمية الجديدة الصادرة عن الماردِ للناسِ، عندما وصلَ الرجلُ وسطَ السوقِ صعدَ على صندوقٍ خشبيٍ، فالتفّ الجميعُ حولَه، حينها توقف عن قرعِ الطبلِ، وأخرج من جيبِهِ ورقةً ليقرأ ما كتب بها بصوتٍ مرتفعٍ قائلاً: «أيها الناس، هذا قرارٌ من الماردِ الكبيرِ، فاستمعوا له جيدًا، والحاضر يُعلمُ الغائبَ، حيث إنه سيتم أخذ نصف المحصولِ من كل مزارعٍ، بدلا من الربعِ اعتبارًا من موعدِ قطف المحصولِ للموسمِ القادمِ، وكل من لا ينفّذ هذا القرار أو يحاول التهرب منه، سيعاقب بالضربِ والسجنِ». بعد أن انتهى الرجلُ من القراءةِ أصاب الناسَ حزنٌ شديدٌ، لأنهم كانوا ينتظرون بفارغِ الصبرِ الموسمَ القادمَ، لكي يتمكنوا من تسديدِ ديونِهم المتراكمةِ عليهم وشراء ملابس جديدة وأحذية بدلاً من التي اهترأت، وحاجيات أساسية أخرى، وما يتبقى من المحصول يجعلونه لطعامِهم، أما الآن مع هذا القرارِ الجديدِ، فلن يبقى لهم شيء، بل سيزدادون فقرًا. في الليلِ، أوى الناسُ إلى بيوتِهم والحزنُ يعتصرهم، فهم لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيء، فالماردُ لديه من الضخامةِ والقوةِ ما يستطيع بهما أن يبطشَ بالقريةِ كلها، صحيحٌ أن أحدًا لم يره أبدًا، ولكنهم يسمعون بهذا عنه منذ زمنٍ طويلٍ. وفي بيتٍ صغيرٍ منعزلٍ وقريبٍ من الحقولِ، كان أمجدُ في غرفتِهِ يتقلّبُ على سريرِهِ قريبًا من النافذةِ المفتوحةِ التي يدخل منها ضوءُ القمرِ والهواءُ العليلُ، بعد أن جافاه النومُ، مثله مثل بقيةِ أهلِ القريةِ، مفكرًا بالضائقةِ التي ستلم بهم، والفقر الذي سيزداد، وبالماردِ الظالمِ الذي لا يهمه شيء سوى أن يأخذ محصول المزارعينِ، غير آبهٍ بشدةِ فقرِهِم وحاجتهم، وفجأةً، وبينما هو ينظرُ لحائطِ الغرفةِ المقابلِ للنافذةِ، استبدّ به الذعرُ، حيث شاهد ظلاً لحيوانٍ ضخمٍ مرعبٍ، لهذا ظل ساكنًا في فراشِهِ مرتعدًا لا يجرؤ على الصياحِ أو النزولِ من الفراشِ ليهرب، وبعد دقائقَ من الخوفِ، قرر أن يدير وجهَه نحو النافذةِ ليشاهدَ الوحشَ الضخمَ، عندما فعل ذلك، زال خوفه ولم يتمالك نفسَه من الضحكِ، حيث لم يكن الوحشُ سوى سنجاب صغير يقفُ عند النافذةِ، ولكن الضوءَ القادمَ من الخارجِ ساهم بتضخيمِ ظلِّه على الجدارِ، حينها عاد أمجدُ للتفكيرِ بالماردِ، وكيف أن الناس تخافه من دون أن تراه وتعرف حقيقته، فقال لنفسِهِ: - يجب علينا ألا نخاف مما لا نعرف بل علينا أن نعملَ لكشفِ حقيقة ما نخاف منه. لهذا قرر أن يتعرّفَ على حقيقةِ الماردِ مهما كلفه الأمرُ. في صباحِ اليومِ التالي سار أمجدُ وحيدًا نحو الجبلِ الذي تربضُ عليه القلعةُ الحجريةُ الضخمةُ، وعندما وصلها شاهد اثنين من الحرسِ يقفان عند بوابتها الخشبية، وحين شاهداه سأله أحدُهما: - إلى أين أنت ذاهبٌ أيها الصغير؟ أجاب بثقةٍ ومن دون تردد أو خوفٍ: - أرجو أن تسمحا لي أن أرى الماردَ، فأنا أريد محادثتَه. ضحك الاثنان وأجابه أحدهما: - تريد رؤية الماردَ! نحن نعملُ هنا منذ سنينَ طويلةٍ ولم نره، وأنت تريد رؤيتَه بهذه السهولةِ! استغربَ أمجد من الجوابِ، وقال لهما: - وكيف تعرفان ما يريد وتتعاملان معه؟ - كل طلباته تصلنا عبر زوجته، فهي تخبرُنا ما يريدُ ونحن علينا التنفيذ، لأنها تقولُ لنا إننا لو رأيناه فسنقع موتى على الفورِ من شدةِ الخوفِ منه، ولهذا فهو لا يظهرُ للناسِ، هيا أيها الصغير عد لبيتِك. دُهش أمجدُ، وتبادرت إلى ذهنِهِ خطةٌ يرجو أن تنجحَ لرؤية الماردِ، لهذا تظاهر بأنه عائدٌ من حيث أتى، ولكنه بعد أن توارى عن أنظارِ الحرسِ، استدار نحوَ جانبِ القلعةِ، وهناك أخذ يتسلق الجدرانَ الحجريةَ الضخمةَ معتمدًا على مهارتِهِ، لينظرَ عبر النوافذِ واحدةً بعد الأخرى، حتى شاهدَ غرفةً كانت بها امرأةٌ يقف بجانبِها قزمٌ صغيرٌ، ظنه أمجد في البدايةِ أحدَ الخدم ِ الذين يعملون لديها وسمعهما يتحدثان فأخذ ينصتُ لحوارِهما: المرأة: سترى كيف ستزداد أموالُنا بعد قرارك الأخيرِ بزيادةِ ما نأخذه من المزارعينِ. القزم: لم يكن قراري بل قرارك أنت، وأخاف أن يعترضَ المزارعون ويرفضوا تنفيذ القرار. المرأة: أنت دومًا هكذا خائفٌ، ألا تعلم أنهم لا يستطيعون رفض أي طلب للماردِ. القزم: وماذا سيحدث إذا عرفوا أنني لست ماردًا، بل مجرد قزمٍ كاذبٍ وجبانٍ. المرأة: لن يعرف أحدٌ، لا تخف. اندهش أمجدٌ لمعرفتِهِ أن الماردَ الظالمَ الذي يرعبُ الناسَ ليس سوى قزمٍ جبانٍ. ولفرط فرحته، وخاصة بعد أن زايله الخوفُ، أخذ يصيحُ بأعلى صوتِهِ: - الماردُ قزمٌ، الماردُ قزمٌ، يا أهل القريةِ، أيها الناس الماردُ قزمٌ كاذبٌ وجبانٌ. نظرت المرأةُ والقزمُ نحو الصوتِ الصادرِ من النافذةِ، وشاهدا أمجدَ وهو يصيحُ، لهذا أخذ الاثنان بالركضِ هربًا خارج القلعةِ، وهكذا قام أمجدُ بتخليصِ القريةِ من الظلمِ الواقعِ عليها من هذا النصّاب وزوجتِهِ، بعد أن استطاعَ أن يكشفَ حقيقتهما.
|