كازا لوما.. قلعة خيالية من زمن القصص.. سنابل المسلم

كازا لوما.. قلعة خيالية من زمن القصص.. سنابل المسلم
        

          قرأنا في كثير من القصص عن القلاع والقصور، والأبراج التي تحبس فيها الأميرة الجميلة ذات الضفائر الطويلة، والممرات السرية التي يعبر من خلالها الأمير الشجاع لإنقاذ أميرته من الساحر الشرير المخادع، والسراديب المملوءة بالأسرار والكنوز.

          ماذا لو أخبرتكم أنني زرت بالفعل إحدى هذه القلاع، بأبراجها، وممراتها وسراديبها؟

          ليست قلعة من قصة خيالية وليست قلعة من بناء والت ديزني لأحد أفلامه الكرتونية، وإنما قلعة حقيقية بناها السير هنري باليت عام 1906 ليسكن فيها وزوجته، وأطلق عليها اسم كازا لوما. 

          كازا لوما، القلعة التي على التلة، لم يتخل السير هنري عن أي من الصفات التي تميزت بها القلاع، فقد اختار موقعا ممتازا لقلعته، تلة مرتفعة في ضاحية سباداينا في تورونتو بكندا، مطلة على بحيرة أونتاريو، وتطل القلعة على شوارع سباداينا، وأشجارها. ولم يبخل السير هنري على قلعته، فقد كلفته ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار، كما ملأها بأفخر الأثاث، وأفضل الديكورات، ووضع فيها 52 جهاز هاتف في الوقت الذي لم يملك فيه الأغلبية جهازا واحدا، كما أضاف إليها مصعدا كهربائيا مما جعلها المسكن الخاص الوحيد المزود بمصعد كهربائي. ومن أمتع ما رأيت في كازا لوما تلك الممرات السرية في مكتب السير هنري، يؤدي أحدها إلى غرفة نومه، وآخر إلى السرداب. كما استمتعت بالصعود الى أحد أبراج القلعة من خلال درج دائري، لأطل من نوافذ قوسية على حديقة القلعة وشوارع سباداينا. مع الأسف لم أتمكن من رؤية بحيرة أونتاريو التي كانت تطل عليها القلعة وذلك نتيجة العمران والتقدم اللذين لحقا بالمنطقة، فالمباني الجديدة والعمارات العالية أصبحت عائقا أمام الرؤية وأبعدت البحيرة عن القلعة ليس جغرافيًا، بل حسياً.

          أما السر الذي سأخبركم به، والذي لم يغفل السير هنري عن اقتنائه، والذي جعلني أشعر بأن هذه القلعة بالفعل قلعة خيالية، فهو المخبأ السري الذي يوجد بجانب المدفأة في غرفة نوم السير هنري، حيث كان يستخدمه لحفظ أرواقه الخاصة والمهمة. ولن أنسى أن أخبركم عن الممر الطويل، الطويل جدا، الذي يبلغ طوله 800 قدم ويربط القلعة من السرداب بالإسطبلات، وغرفة إعداد الشتلات الزراعية، وموقف السيارة. كما أنه يؤدي إلى حمام السباحة الذي لم ينته، وملعب البولنغ الذي لم يكتمل. لم يكن من السهل علي المشي في هذا الممر، فالإنارة فيه غير كافية، كما أنه رطب وجعلني أشعر بالاختناق قليلا، ألا أنني لم أكن مستعدة للتخلي عن اكتشاف القلعة كلها. لا يقتصر جمال كازا لوما على البناء والأثاث فقط، بل يمتد إلى حديقة كبيرة خلف القلعة مملوءة بالأشجار والزهور تتخللها ممرات حجرية جميلة، وكراسي خشبية أنهكها الزمن، قد تخلو القلعة من سكانها إلا أن الحديقة تستضيف العديد من الكائنات الحية، كالطيور والسناجب، وطبعا الكثير من الحشرات. وكما هي الحال في معظم القلاع، تحتضن أراضي كازا لوما حديقة سرية، في اعتقادي أنها لليدي ميري حين ترغب في تمضية وقت خاص لنفسها بين زهورها، فخلال السنوات التسع التي سكن فيها السير هنري وزوجته في القلعة لم تخل كازا لوما من الحفلات، ولم تتوقف القاعات الفخمة عن استقبال الضيوف، فلطالما عمرت كازا لوما بالراقصين، ولطالما علا صوت الموسيقى في غرف وممرات القاعة. تسع سنوات استمتع فيها السير هنري بالعيش في كازا لوما، كما استمتع بالنجاح العسكري في سلاح الملكة، والنجاح التجاري، إلا إن سعادته لم تدم، فقد خسر السير هنري ماله، وتجارته، وفي النهاية خسر قلعته. وهكذا انتهت أيام جميلة وليال أجمل، وهاهي الآن كازا لوما قلعة شامخة منذ زمن مضى تطل على الزمن الحاضر من على تلة مرتفعة، وكأنها عجوز شاخت وكبرت، لم يبق لها سوى الصمت واحتضان زوارها من السياح والمعجبين، يعيدون ذكريات ماضٍ عظيم، ويجددون زمنًا مضى خلال ساعات قليلة، يتردد فيها صدى خطواتهم بين جدران القلعة، يذكّر القلعة بخطوات سكانها الأوائل.

          وفي آخر النهار تطفأ الأنوار، وتغلق الأبواب الضخمة، لتغرق القلعة في هدوء الظلام، لترتاح وتستعد لاستقبال زوارها في يوم جديد. 

السير هنري:

  • ولد في السادس من يناير 1859.
  • فاز بالمركز الأول في سباق الميل الواحد عام 1879، عندما كان في العشرين من عمره.
  • أسس شركة تورونتو للإنارة الكهربائية عام 1883.
  • ترأس 21 شركة من ضمنها شركات تنقيب عن البترول، ومناجم، وشركات تأمين، وشركات عقارية وكهربائية عام 1901.
  • تمكن في عام 1902 من الحصول له ولشركائه على حقوق بناء أول محطة كندية لتوليد الطاقة في شلالات نياجرا.
  • حصل على لقب الفروسية مقابل خدماته في كتيبة سلاح الملكة عام 1905.
  • توفيت زوجته عام 1924.
  • حولت قلعته الى متحف للشعب عام 1937.
  • توفي في الثامن من مارس عام 1939.

 


 

إعداد: سنابل المسلم