ملابس المستقبل من الريش والقش.. رؤوف وصفي

ملابس المستقبل من الريش والقش.. رؤوف وصفي
        

          في المستقبل القريب، سوف يكون من الطبيعي ارتداء ملابس مصنوعة من ريش الدجاج وقش الأرز ونشا الذرة وسيقان الخيزران وجوز الهند وغيرها من المواد، وذلك بدلاً من استخدام القطن أو الكتان أو الصوف أو منتجات النفط، في تصنيع الأقمشة التي تنسج منها الملابس.

          ولكن لا داعي للقلق، فإن الملابس المصنوعة من الريش والقش والنشا والخيزران وجوز الهند، لن تكون ذات مظهر خشن ومملوء بالشعيرات والنتوءات البارزة، بل ستكون ناعمة وملساء بالإضافة إلى أناقتها.

نفايات زراعية وحيوانية.. نافعة

          يواجه العالم في كل سنة، نفايات زراعية وحيوانية تتمثل معظمها في ملايين الأطنان من ريش الدجاج الذي يتخلّف بعد ذبحها، وقش الأرز الذي يُترك بعد حصد حبوب الأرز.

          هذه النفايات تمثل تلويثا للبيئة، حيث يضطر المزارعون إما إلى الإلقاء بها في الأنهار والبحار (تلوث مائي) أو حرقها (تلوث هوائي). ومن أهم مكونات ريش الدجاج مادة « القَرْتين « وهي مادة بروتينية موجودة في بنية الأظافر والقرون والمخالب والشعر، وهذا البروتين موجود أيضا في الصوف.

          كذلك يحتوي قش الأرز على مادة «السَّليلوز»، وهي مادة نشوية تؤلف المكوّن الاساسي لجدار الخلية في معظم النباتات، وتمثل ركيزة في تصنيع العديد من المنتجات كالورق والأقمشة. والسليلوز موجود أيضًا في القطن والكتان، وهما مادتان معروفتان لتصنيع الأقمشة.

          وريش الدجاج وقش الأرز، من المواد المتوافرة في المزارع بكميات هائلة وبأسعار رخيصة للغاية، ومن ثم تصبح مواد خامًا منخفضة التكلفة لتصنيع أقمشة الملابس. ويحتوي ريش الدجاج ضمن مكوناته على «فجوات هوائية» مرتبة على شكل قرص عسل النحل، بالإضافة إلى ميزات أخرى، وهذا يجعل شعيراته خفيفة للغاية وبالغة المرونة، مما يؤدي إلى إنتاج أقمشة ومن ثم ملابس أخف وزناً وأفضل من حيث استيعاب الصدمات وكمادة عازلة أي غير ناقلة للحرارة أو الصوت أو التيار الكهربائي. وتصنع من أقمشة ريش الدجاج السترات والكنزات التي تقي من البرودة، وربما تتفوق الأقمشة المصنوعة من ريش الدجاج على الصوف. وعند التصنيع يتم تحويل قش الأرز إلى ألياف يمكن استخدامها في آلات النسيج العادية بعد إضافة بعض المواد الكيميائية إليها، وسوف تنتج أقمشة ذات ملمس ناعم مثل الأقمشة المصنوعة من القطن أو الكتان.

أقمشة تولد.. في المختبرات

          عادة تستخدم مواد كيميائية قوية وطاقة عالية، في عمليات إنتاج الملابس والأحذية. إن المنتجات المصنوعة من القطن والجلد والصوف، تبدأ كنباتات أو أجزاء من الحيوانات، وهذا لا يعني أنها تكون «صديقة للبيئة»، أي لا تسبب أي تلوث. فعلى سبيل المثال، يحتاج نبات القطن إلى أن يُغمر في مواد كيميائية ضارة بالصحة، حتى يتم التخلص من الحشرات والأعشاب غير المفيدة.

          وتنتج الأقمشة الاصطناعية أي التي لا تعتمد على المواد الخام النباتية او الحيوانية في المختبرات، حيث تصنع هذه الأقمشة من «البوليمرات» والبوليمرات عبارة عن جزيئات كيميائية مركبة من عدد من الجزيئات البسيطة من النوع نفسه، ولأن البوليمرات تشبه السلاسل الطويلة، فيمكن تشكيلها على هيئة خيوط رفيعة، ومن ثم تُنسج كأقمشة تتميز بالنعومة والقوة وسرعة الجفاف: مثل أقمشة «البوليستر». وتكمن المشكلة في أن معظم الأقمشة الاصطناعية، تنتج من المنتجات النفطية المرتفعة الثمن،  وكذلك فان هناك صعوبات في الحصول على النفط، وللتغلب على صعوبة الاعتماد على النفط وتلوث البيئة، فقد لجأت بعض الشركات إلى إجراء تجارب على إنتاج البوليمرات من مواد أخرى غير نفطية مثل نشا الذرة، التي يمكن تحويلها إلى خيوط رفيعة ومن ثم نسجها في شكل أقمشة ناعمة. وحاولت شركات أخرى إنتاج الأقمشة من «إعادة تدوير» المواد، أي استخلاص مواد نافعة من النفايات، ويمكن بعد ذلك تعديلها لاستعمال أو وظيفة جديدة. ولكن اتضح أن استخدام «إعادة التدوير» في إنتاج الأقمشة لم يكن ناجحاً تماما، إذ إن الأقمشة المنتجة كانت بالغة الخشونة وسريعة التمزق، وتشير الأبحاث العلمية الحديثة، إلى إمكان إنتاج أقمشة ذات مواصفات جيدة، بإعادة تدوير زجاجات البلاستيك القديمة والأقمشة المستهلَكة. كما أمكن إنتاج أقمشة قطنية ناعمة وصديقة للبيئة، من دون أن تضاف إليها المواد الكيميائية الضارة بالصحة، التي تسبب تلوثًا.

          كذلك تمكن العلماء من إنتاج أقمشة ناعمة، من لب نبات الخيزران،  إذ يتم تحويله إلى خيوط رفيعة ومن ثم إلى نسيج. ويتميز نبات الخيزران بأنه ينمو بسرعة ولا يحتاج عادة إلى استخدام اي مبيدات للتخلص من الحشرات التي تتطفل على سيقانه، ومن ثم لا يُحدث إنتاجه أي تلوث للبيئة، والشيء نفسه بالنسبة إلى جوز الهند.

          إن الملابس المصنوعة من نفايات المزارع مثل ريش الدجاج وقش الأرز، ستكون في الأسواق بعد عدة سنوات.. أما الملابس التي يدخل في إنتاجها الخيرزان ونشا الذرة وجوز الهند، فإنها متوافرة في الوقت الحاضر، في أسواق تجارية عدة.

          إن تحديدك لنوع الملابس صديقة البيئة، التي سترتديها في المستقبل سيسهم في مكافحة تلوث البيئة، وبقائها نظيفة وصحية.

 


 

إعداد: رؤوف وصفي