القراصنة أشرار البحار.. عمرو خيري

القراصنة أشرار البحار.. عمرو خيري

جمجمة وعظمتان على علم أسود يرفرف مع الهواء.. سفينة شراعية تترنح وسط أمواج المحيط.. رجال أشداء بعضلات مفتولة وضحكات عالية يغنون ويمرحون على ظهر المركب.. طيور النورس تدور حول السفينة، وصبي صغير جالس أعلى صاري السفينة ومن تحته الشراع ينفخ فيه الهواء ويصيح فجأة: «أرض! أرض!» فتتعالى صيحات الانتصار من الرجال ويتجمعون حول قائدهم صاحب العصابة (قطعة من القماش أو الزجاج) السوداء على عينه اليمنى، وتغمر الفرحة الجميع؛ فقد وصلوا إلى جزيرة الكنز!

هذه هي الصورة المعروفة عن القراصنة كما نراهم على شاشات السينما وفي صفحات الروايات وبين سطور القصص المصورة، ورغم أن القراصنة في الأصل لصوص يقطعون الطريق على السفن التجارية المسالمة وينهبونها ويعتدون على ركابها، إلا أن الفكرة المأخوذة عنهم أنهم أشخاص شجعان يحيون حياة الخطر، ويظفرون بالكنوز، ويجوبون البحار والمحيطات الواسعة سعياً وراء المغامرات.

قراصنة الخيال

القرصان في دنيا الخيال معروف بمظهره وأدواته.. فهو عادة بلحية ويرتدي قبعة مرسومة عليها جمجمة وعظمتان، وقد يكون له ببغاء، وإحدى قدميه مقطوعة ويستبدلها بعصا يسير عليها فتبث الرعب في قلوب خصومه حين يسمعونها تضرب الأرض ليلاً، وبالطبع يرتدي رقعة على إحدى عينيه.

ظهر القراصنة في أفلام كثيرة وكانوا أبطالها، ومنها ثلاثية أفلام «قراصنة الكاريبي»، وقدم فيها الفنان جوني ديب شخصية قرصان ماهر اسمه «جاك سبارو»، وفي الجزء الثالث يستعين به قراصنة آخرون لمساعدتهم على هزيمة أعدائهم الذين يحاولون السيطرة على بحار العالم.

وفي فيلم «جزيرة الكنز»، وأحداثه مأخوذة من رواية بنفس الاسم للكاتب الإنجليزي «روبرت لويس ستيفنسون»، يختطف القرصان «لونج جون سيلفر» الفتى «جيم هوكينز» ويأخذه على متن سفينته في رحلة مخيفة في البحر إلى جزيرة فيها الكنز الذي دفنه من قبله فيها «كابتن فلينت» القرصان.

وفي فيلم «قراصنة» نرى شخصية القرصان «ريد» الذي تختطفه سفينة حربية إسبانية فيدعو بحارتها للتمرد وينجح في قيادة التمرد.

أما في رواية «الجزيرة» للكاتب الأمريكي بيتر بينشلي فنتعرف على القراصنة بصورة قريبة من حقيقتهم. فالرواية تقدم قراصنة «البوكانير» وهي طائفة من القراصنة ظهرت في القرن السابع عشر في البحر الكاريبي وكانوا يهاجمون السفن الإسبانية والفرنسية ومعروف عنهم الدموية والكثير من العادات الكريهة.

قراصنة الواقع

وعلى العكس من صورة القرصان في الخيال؛ كان القراصنة في العادة فقراء يموتون في سن الشباب. وكان يتم اختيار قائد كل مجموعة من القراصنة بالانتخاب، وهو في العادة شخص شرس ومحارب باسل يثق به الرجال. وكان القراصنة يتشاركون في ما ينهبون من مسروقات.

وظهرت القرصنة (نهب السفن) في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهي مستمرة حتى يومنا هذا، ففي عام 2006 تم نهب 239 سفينة في العالم بواسطة القراصنة، وإن كان هذا عددًا قليلاً مقارنة بعدد السفن التي كانت تتعرض للنهب قديماً؛ حيث أصبحت القرصنة البحرية ظاهرة آخذة في الانقراض. وفي دنيا الواقع لمعت أسماء بعض القراصنة، وسير حياتهم مدهشة ومثيرة وأغرب من الخيال..

سير هنري مورجان ملك القراصنة

حصل هذا القرصان على لقب «زعيم قراصنة البحر والبوكانيرز» في البحر الكاريبي، وهو أحد أشهر القراصنة في التاريخ. كان هنري مورجان جنديًا قبل أن يتحول إلى القرصنة بتصريح من الحكومة الإنجليزية عام 1667، حيث صدر له الأمر بالقبض على بعض السجناء الإسبان من كوبا للحصول على معلومات منهم عن هجمة محتملة على جامايكا التي كانت خاضعة لسيطرة الإنجليز. وخرج هنري ومعه عشر سفن وخمسمائة رجل وقام بعملية حربية ناجحة أذهلت الجميع. ومنذ ذلك الحين وهو يهاجم السفن الإسبانية الحربية في منطقة بحر الكاريبي، وتحولت حياة هذا القرصان إلى فيلم سينمائي بعنوان «كابتن دم» في عام 1935.

القرصانة آن بوني

هي قرصانة أيرلندية، وكان والدها محاميًا ثريًا، وكانت معروفة بالذكاء الحاد وتقلب المزاج والجمال. وفي سن السادسة عشرة تزوجت من قرصان صغير اسمه جيمس بوني، واصطحبها إلى جزر البهاما في المحيط الهادئ التي كانت في القرن الثامن عشر منطقة تجمع للقراصنة. وهناك اختلطت بالقراصنة وقابلت القرصان «كالسيو جاك»، فتنكرت في زي الرجال وانضمت لرجاله على متن سفينة «الانتقام»، ومع طاقم السفينة شاركت في نهب سفن كثيرة على مدى سنوات، ثم جاءت نهايتها بالسجن، ولا يعرف أحد حتى الآن إن كان قد حُكم عليها بالإعدام وهي في السجن أم حصلت على عفو.. أو ربما هربت!

ذو اللحية السوداء

هو الاسم الحركي للقرصان إدوارد تيتش الذي ذاعت شهرته في أوائل القرن الثامن عشر، وهي الفترة المعروفة باسم العصر الذهبي للقرصنة. وكانت سفينته معروفة باسم «انتقام الملكة آن». وكانت لحيته سوداء طويلة ويقاتل ومعه سيوف ومسدسات كثيرة، وقيل إنه كان يعلق في لحيته السوداء أثناء المعركة أعواد ثقاب مشتعلة فيبدو في نظر أعدائه مخيفاً بوجهه المرعب والدخان المتصاعد من رأسه ولحيته.

نهاية غير سعيدة!

وفي كل الحالات تقريبًا انتهت حياة القراصنة بالسجن أو الإعدام، ولكن الصورة المدهشة التي قدمتهم بها شاشات السينما في أفلام المغامرات لا تنقل هذه النهايات الحزينة.. وتبقى لنا من هذه الطائفة المنقرضة من اللصوص مشاهد ولمحات تعرضها الشاشات والروايات عن مغامرات بحرية تصل لأبعد أنحاء الأرض، وكنوز مخبوءة، وشخصيات غريبة مضحكة أحياناً ومخيفة أحيانًا، ومدهشة دائمًا.

 


 

عمرو خيري