أسئلة سوسن

أسئلة سوسن

رسوم: عفراء اليوسف

سوسن تسألُ دائمًا. عيناها كنافذتينِ مفتوحتينِ لامعتينِ تسألُ كلَّ الذين حولَها، فيبتسمون لَهَا.. يجيبونَها أو يبحثون مثلها عن الجوابِ.

ذهبت الأمُ إلى السوق وهي تمسكُ بيدِ ابنتَها، وقالت:

- سأشتري لك هديةً جميلةً بمناسبة عيد ميلادك.

سحبت الصغيرةُ يدَها قائلةً: يتبعني خيالي في الشمسِ، ولكن أين يضيعُ في الليلِ والظلامِ؟

أجابت الأمُّ:

- الضوء. الضوء هو السبب.

سادَ صمتٌ بين الاثنتين. رأت سوسن كلبًا يلاحقُ قطًا في الشارعِ ونباحه يعلو.

تساءلت:

- لماذا لا يكونان صديقين؟

لمحت أزهارًا في الحديقةِ العامةِ تساءلت:

- كيف تصلُ رائحةُ الأزهارِ؟ وكيف نشمّها؟

جلست الأمُ وابنتُها على مقعدٍ واحدٍ داخل الحديقةِ. راقبت سوسن العصافير التي تسكنُ الشجرةَ الكبيرةَ، وراحت تعدّها واحدًا واحدًا. توقفت وقالت:

- عصفورٌ جميلٌ ملونٌ يحطّ على الشجرةِ، هل يحتفلُ بعيد ميلادِهِ؟

ردّت الأم:

- للعصافيرِ أعيادُها الجميلةُ. كلما سمعنا أغاريدَها فإنها تحتفل بعيدِ ميلادِ أحدها. إنها تغنّي بين الأشجار، وتدعو أصدقاءها إلى احتفالِها الرائعِ.

وقفت سوسن ومدّت ذراعَيها كجناحين، وشعرها يتطاير في الهواءِ، وتمنّت أن تشارك العصافيرَ في أفراحِها وقالت:

- أسمع الغناءَ، دائمًا أسمعه... ياه... ما أكثر أعياد العصافير!

أتمنى أن أغنّي معها أحلى الأغنياتِ.

غادرت الأمُ وابنتُها الحديقةَ، ثم اشترت لها ثوبًا جميلاً، وفي طريقِ العودةِ، سألت الصغيرةُ:

- ألا تقدّم العصافيرُ هدايا أخرى غير الألحان الجميلة؟

أجابت الأمُّ بصوتٍ هامسٍ:

- إنها تهنّئ العصفورَ بعيدِ ميلادِهِ. تقولُ له عيد سعيد، وتقدم له حبوبًا وثمارًا.

وفي البيتِ اقتربت سوسن من والدِها وأشارت إلى ثوبِها المنقّط الذي ترتديه وصاحت:

- كم عدد النقاط الحمراء في ثوبي؟

ضحكَ الأبُّ قائلاً:

- جميلٌ هذا الثوب، نقاطُه كثيرةٌ، وسنتعاون أنا وأمّك وأنت على معرفةِ الإجابةِ.

التفتت الطفلةُ إلى جدّها وقالت:

- أغلقت المدارسُ أبوابَها. خذني معك إلى القريةِ.

قال الجد:

- أتيتُ لأصطحبَك. غدًا نذهب فقد نَضَجت ثمارُ الصيفِ.

التقت عيونُ العجوزِ والحفيدةِ إنهما ينتظران هذا اليوم. الجد لطيفٌ، ولديه الوقتُ ليصغي إليها، ويجيبَ عن جميعِ أسئلتها، والجدة تحبّها كثيرًا، وتحفظُ الكثيرَ من الحكايات الجميلة والمشوّقةِ.

وفي القريةِ احتضنتها الجدّةُ، وداعبت بأصابِعِها النحيلةِ شعرهَا، وراحت تعتني بحديقةِ المنزلِ، اقتربت الصغيرةُ من شجيرةِ ياسمين، فرشّت عليها أزهارَها البيضاءَ وتساءلت:

- لماذا لكل نبتة أزهارٌ مختلفةٌ؟

قالت الجدة:

- الحديقةُ جميلةٌ بأشكالِها وروائِحِها المتنوعةِ.

أمسك الجد بيدِ سوسن، فمشت بجانبِهِ في البستانِ الواسعِ وراحت تلهو وتقفز، هنا تصبح أكثر حريةً وسعادةً.

ترافق الجدَّ في النزهاتِ وركوبِ الحصانِ، ويستمتعان معًا في مراقبةِ العصافيرِ والفراشاتِ، وجمع الأزهارِ البديعةِ، ويتفقان على ما يتمنيان فعله. هنا يحسّان أن كل شيء يتكلّم.

الشجرةُ تتكلم. والنحلةُ تتكلم. والنهر يتكلّم.

رأت الصغيرةُ شجرةً قالت:

- تتدلّى ثمارُ التينِ من الشجرةِ، فلماذا لا تتدلّى منها ثمارُ التفاحِ الذهبيةِ؟

ابتسمَ العجوزُ.

سلك الطريقَ المحاذيةَ للغابِة. وسوسن تتبعه. انحنت لتلتقطَ ثمرةَ سنديان. رفعت رأسَها. قالت:

- انظرْ يا جدّي، هذه ثمرةٌ صغيرةٌ في شجرةٍ كبيرةٍ.

قالَ العجوزُ:

- لم أفكر في هذا الأمرِ. لكني سأسأل السنديانةَ.

قالت الصغيرةُ:

- هل تفضّل ركوبَ الدراجةِ ذات الدولابين أم الدراجةِ ذات الدواليب الثلاثة؟

ضحكَ الجدّ وقال:

- ذات يوم نركبُ الدراجةَ معًا إلا أنها لا تسير في هذه الطرقاتِ الوعرةِ.

كلّما عادت سوسن إلى القريةِ تزداد اقتناعًا بأن جدها صديق لها، فكرت: هل نعدّ جدّي من الكبار أم من الصغار؟

فجأة صاحت:

- انظر يا جدي هناك حصانان أحدُهما أبيض والآخر أسود.

قال العجوزُ:

- كل حصان أخذ اللون من أهلِهِ. وأنت سمراء كجدتك.

هبط الظلامُ الغامضُ، وراح يزحفُ وينتشرُ شيئًا فشيئًا. التصقت سوسن بجدّها تحتَ القمرِ الساطِعِ.

التمعت النجومُ في السماءِ كأزهارٍ برّاقةٍ. رفعت رأسَها. تأملتها حائرةً. التصقت بالعجوزِ وقالت: هل تتحادثُ النجومُ؟ وهل تسهر في الليلِ وتنام في النهارِ؟

أجاب الجد:

- تتحادث مع أصدقائِها، ولا تنام نهارًا لكننا لا نراها.

عادا إلى البيتِ، أخرجت الطفلةُ من الخزانِة لعبةً قديمةً ترتدي ثوبًا أخضر خاطته الجدّة، وعلى شعرِها شريطةُ حمراءُ، همست:

- لماذا لا تكبرين يا دميتي؟ أنت لاتزالين صغيرةً. هيّا اكبري لتشاركيني في نزهاتي.

سمعها الجد فقال:

- تعالي لنأكل فالطعام جاهز. ربّما لم تكبر اللعبة لأنها لا تأكل شيئًا.

تذكّر العجوزُ عندما كان صغيرًا كحفيدته يقف حائرًا، ويتساءل مثلها ويتلقّى الأجوبة. ولكن أسئلةً أخرى تبقى في ذهنِهِ كل يوم. تقدّمت السن به، وهو مازال طفلاً في أعماقه. تسأل سوسن كثيرًا. لتعرف كل شيء. قال لها:

- عند شروق الشمس نذهبُ إلى النهرِ.

استلقت الصغيرةُ على سريرِها، بدأ النومُ يزورُ جفونَها وهي تسألُ:

- لماذا تشرقُ الشمسُ باكرًا؟

همّ الجدُّ أن يجيبها. التفت إليها رآها تنام مطمئنةً، اقترب منها ليقبّلها وقال لنفسِهِ: استغرقت في نومٍ عميقِ. فهل تنام الأسئلةُ أم ترى سوسن في النوم أشياءً تجعلها تسأل، وتستمر في الأسئلةِ العجيبةِ؟

 

 


 

عزيز نصار