الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

الإسلام في الهند

إذا كنا نتحدث اليوم عن الهند, والباكستان, والبنجلاديش, وكشمير, كبلدان متفرقة, فقد كانت كلها تسمى الهند, أو ما نطلق عليه شبه القارة الهندية, عندما دخلها الإسلام لأول مرة قبل حوالي 13 قرنًا (1300 سنة).

بدأ التفكير في فتح بلاد الهند خلال فترة الخلفاء الراشدين, بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم), وكانت هناك علاقات تجارية متبادلة ومعروفة بين العرب وبلاد الهند. وقد وصلت طلائع المسلمين منذ ذاك العهد إلى بعض سواحل الهند. ولكن الفتح الإسلامي لشبه القارة الهندية بدأ فعليًا عندما توجه الفاتح العربي المسلم الكبير محمد القاسم الثقفي سنة 92 هجرية / 711 ميلادية, على رأس حملة كبيرة في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك, واستطاع هذا الفاتح أن يؤسس لدولة عربية إسلامية في الهند. استمرت حملات الفتح الإسلامي في عهد العباسيين, حتى فتحت بلاد السند وكشمير.. ولكن يعتبر الفاتح الحقيقي لبلاد الهند هو الفاتح والمجاهد الإسلامي الكبير محمود غزنوي.

إذ في الوقت الذي بدأ فيه الفتح الإسلامي للهند, كانت هناك إمارات, وممالك كثيرة يحكمها الراجبوت الذين كانوا محاربين أشداء يقضون وقتهم بالاقتتال فيما بينهم, وقد تغلب عليهم السلطان التركي محمودالغزنوي, ويسميه الهنود (الغازي) أي مدمِّر الآلهة, إذ إنه كان يقوم بحملته في الخريف من كل عام إلى سهول هندستان, فيدمر المعابد الهندوسية, ويحمل معه ما يستطيع من الغنائم من الأحجار الكريمة, والذهب, والفضة, والعبيد.. ويعود بهم من حيث أتى, وقد قام بسبع عشرة غزوة, ولم تستهوه الهند للبقاء فيها, كما لم يتمكن الراجبوت من صدّه رغم وفرة عددهم وشدّة بأسهم. وفي عام 420 هجري/1030 ميلادي, مات الغازي محمود, وتوقفت الغزوات طوال قرن كامل.

ولما جاء محمد غوري بعد رحيل محمود الغزنوي, قام بغزو الهند من جديد, ودخل غوري مدينة دلهي, وقرر إقامة ملكه فيها, وأوصى قائد جيشه قطب الدين أيبك أن يتم فتح الهند.

وفي عام 604 هجري/1206 ميلادي, قتل محمد غوري, فجاء بعده قطب الدين, الذي أصبح أول سلاطين دلهي, وليخلد انتصاراته بنى أول مسجد أسماه (قوة الإسلام), جاء بأعمدته من المعابد الهندية التي دمرها, وأقام للمسجد عام 595 هجري/ 1199 ميلادي, مئذنة من الحجر الأحمر, هي بلا شك أعلى وأجمل بناء في دلهي, إذ يبلغ ارتفاعها 72.5م, وقطرها 15م, وتقع في 6 مراحل, وقد حفرت على جدرانها الخارجية الآيات القرآنية, ويطلق عليها الآن اسم (قطب منار). وتعرض الحكم التركي في الهند إلى غزوات كثيرة, كانت أشدها الغزوات المغولية التي جاءت من الشمال, حيث سيطر جنكيز خان على سمرقند وخراسان, بعد سيطرته على كامل الصين, وبعث بطلائع قواته تضرب السلطنة التركية في الهند, وتهددها بالفناء.

ولما جاء تيمورلنك دمر كل ما وقف في وجهه وقتل دون شفقة ولا رحمة أكثر سكان شمال الهند, ثم عاد إلى سمرقند.بعد هذا الدمار الشامل, جاء الأفغان وأقاموا حكمًا في الهند, استمر خمسة وسبعين عامًا, وتميز بالإنشاء والبناء, وحُسن الإدارة, وحكمت فيه عائلة لودي, التي اعتمدت الخبرة الإيرانية في الهندسة المعمارية, وفي التزيين, والفن, والحكم, والإدارة, والتعليم.. لكن حكم الأفغان انهار مجددًا, ولم يصمد للغزوة الجديدة, التي قام بها القائد المغولي (بابار) حفيد جنكيز خان وتيمورلنك, الذي كان يحلم بإعادة بناء إمبراطورية جدّه في الهند, ونجح في القضاء على عائلة لودي الأفغانية وأسس أول إمبراطورية مغولية في الهند عام 932هجري/ 1526 ميلادي. وأطلق على نفسه لقب (بايشاه). واستمر حكم المغول في الهند زهاء ثلاثة قرون, وبرز منهم زعماء عظماء, كان منهم بابار, وهمايون, وأكبر, وشاه جهان, وأورنغزيب, وشيدوا حضارة إسلامية راقية مازالت ماثلة حتى يومنا هذا بالآثار النادرة التي خلفوها.

 


 

هيثم خيري