قيمة الكائن في فطنته

قيمة الكائن في فطنته

يرسمها: محمود الهندي

أثناء تفقّد البستاني للحقل, لاحظ انكسار بعض الشجيرات النابتة في الأطراف, قريبًا من الجزء المنهدم من السور, كما لاحظ تناثر بقايا ثمرات الفقوس التالفة.

تفحّص المكان بدقة, فتبين آثار الذئب والقنفذ, فتتبعها خطوة خطوة إلى غاية السور المتهدّم, وهو يقول في نفسه:

- لاشك أن هذين اللئيمين سيعيدان الكرة هذه الليلة أيضًا, ومن المكان نفسه, وعليّ أن أتصدّى لهما.

عاد البستاني إلى بيته, فأحضر المصيدة, ونصبها في عتبة المدخل المعلوم, وغطاها ببعض الحشائش للتمويه.

مالت الشمس نحو المغيب, فخرج الذئب والقنفذ من مكمنيهما, وهما يمنيان نفسيهما بلذيذ ثمرات الفقوس التي ملآ بها بطنيهما البارحة.

ولما اقتربا من الحقل, قال القنفذ للذئب:

- يا أخا الذئاب, من باب الحيطة والاحتراس, علينا أن نبحث عن منفذ جديد في السور!

لم يرض الذئب المغرور أن يأتي الاقتراح من القنفذ, فقال بتعالٍ واحتقار:

- متى كانت ذوات الفرو تأخذ برأي ذوات الشوك?!

ودفعه أمامه بقوة, فتكوّر حتى كاد يصطدم بحجر, وأمره صائحًا:

- هيا امض أيها التعس.

تسلل القنفذ إلى الحقل مرتبكا, والذئب يسعى في أثره متبخترًا, وفجأة توقف القنفذ, والتفت إلى الذئب, وقال له بأدب:

- معذرة أيها الذئب المحترم.

فتساءل الذئب مندهشًا:

- ماذا في الأمر?!

واقترب منه القنفذ أكثر, وهو يقول:

- سامحني يا سيدي, فقد تجاوزت قدري, وتقدمتك, وأنت أولى بالتقدم!

انتشى الذئب لهذا الاعتراف, وقال موبخًا للقنفذ:

- هأنت قد انتبهت هذه المرة بنفسك إلى سوء أدبك.

فأظهر القنفذ الأسف والمسكنة والتذلل, وقال:

- أجل...أجل... ولن يطمئن بالي يا سيدي حتى تشرفني بصفعة مباركة تؤدبني وتلزمني حدودي!

وعرض عليه صفحة خده وهو يحرّضه قائلا:

- لا تتردد يا سيدي...ولا تأخذك الرأفة في تأديبي.

رفع الذئب قائمته وأهوى بها على خد القنفذ, وهو يقول:

- هيا أسرع خطاك أيها القزم, علينا أن ننجز المهمة قبل حلول الظلام. وتقدم الذئب شامخًا بأنفه, وما إن خطا خطوات قليلة حتى وقع في المصيدة, فارتفع عويله.

نظر إليه القنفذ, فرثى لحاله وهو يراه يتخبّط متألمًا, وأشفق عليه, وندم على الحيلة التي أوقعه بها في المصيدة, لكنه تذكر غروره وعجبه, وما ذاقه على يده من احتقار ومهانة, فقال له:

- يا أخا الذئاب, ليست قيمة الكائن في حجمه وطوله وعرضه ونسبه, وإنما في عقله وفطنته!!

وسارع إلى مغادرة المكان, قبل أن يدركه البستاني الذي كان يتربّص بهما.

 


 

أحمد زيادي