بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

تامي أعجوبة التسونامي

هاجمت الموجات الطوفانية الشاطئ السيريلانكي بضراوة, قتلت آلاف الناس, وحطمت البيوت والمدارس والمستشفيات على البر, وقذفت بمراكب الصيادين في الهواء لتستقر متهشمة في النهاية فوق أسطح البيوت المنهارة, وصارت السفن العملاقة مثل المراكب الورقية التي يلهو بها الأطفال تلعب بها الأمواج العملاقة وترميها في النهاية فوق هامات أشجار جوز الهند المقصوفة.
لم يشعر سكان قرية الصيادين الصغيرة الفقيرة المطلة على المحيط الهندي بقدوم الموجات العملاقة التي فاجأتهم ضاربة الشاطئ بارتفاع يزيد عن عشرة أمتار. فهذه الأمواج التي تسمّى التسونامي تندفع تحت سطح المياه العميقة بسرعة تصل إلى سرعة طائرة دون أن تكشف عن نفسها, وفجأة ترتطم بالشاطئ فترتفع عاليا وتندفع بقوة مخيفة لتغرق وتحطم كل شيء. إنها أمواج ولّدها زلزال حدث في قاع المحيط على بعد عدة كيلومترات من الشاطئ, والزلازل تحدث من ارتطام صفيحة أرضية بصفيحة أخرى تسمّى الصفائح التكتونية, فقشرة الأرض التي نعيش عليها والتي تمتد تحت سطح البحار والمحيطات تتكون من ألواح يابسة تطفو على المادة المصهورة التي يتكون منها باطن الأرض الملتهب, ومثل قشور جوز هند في وعاء به ماء يغلي, تهتز القشور كلما زاد الغليان, أي كلما زادت الطاقة, وتتخبط القشور بعضها ببعض, كذلك الألواح التكتونية التي تتكون منها اليابسة. لكن الألواح الأرضية العملاقة عندما تتخبط يكون تصادمها مروعا وتحدث عنه الزلازل, ويحدث أن ينزلق طرف لوح أرضي تحت لوح آخرتحت سطح المحيط, وينشأ عن هذا الانزلاق دفع هائل للماء تنشأ عنه موجات خارقة السرعة تظل خافية في اندفاعها حتى ترتطم بالشاطئ فترتفع عاليا وإلى الأمام بعنف لتغرق وتدمر وهذه هي موجات التسونامي.
لم ينتبه سكان قرية الصيادين إلى قدوم موجات التسونامي العملاقة, ففجأة رأوا هذه الموجات تضرب الشاطئ بعنف وترتفع وتتقدم مثل الطوفان لتحطم وتغرق كل شيء, البيوت والشجر والبشر, وعندما خمد الموج الجبار وتراجعت المياه, ظهرت المأساة المروعة. لم ينج من سكان القرية غير عدد قليل من الناس الذين صعدوا فوق أسطح البيوت البعيدة عن الشاطئ, بينما تدمرت كل البيوت القريبة منه وغرق كل من فيها. وبدأ الناجون يهبطون إلى الشاطئ بحثا عن أقاربهم وأصدقائهم لعل يكون فيهم من بقى على قيد الحياة ويحتاج للإنقاذ أو المساعدة, وكان مدهشا للجميع أن يروا كلبا يبحث عن أصحابه في حطام أحد البيوت. كيف نجا هذا الكلب من الغرق? هل حمله الموج عاليا وهبط به دون أن يصيبه بمكروه? أم تراه سبح مقاوما الغرق حتى انحسرت الأمواج?
لم تحمل الأمواج الكلب وتهبط به, ولم يكن في حاجة للسباحة حتى ينجو, فهذا الكلب, ولنسمه (تامي) اشتقاقا من اسم منطقة التاميل السيريلانكية التي يعيش فيها, مثله مثل آلاف الكلاب التي لم تغرق في طوفان التسونامي, والتي لفتت أنظار الكثيرين في العالم, التقطت حواسه المرهفة صوت ورائحة الخطر قبل قدومه إلى الشاطئ بوقت كاف لكي يهرب وينجو. عوى ونبح وشد أصحابه البشر من ملابسهم لكي يبتعدوا معه عن الشاطئ, لكن أحدا من هؤلاء البشر لم يستجب له, بل ركله أحدهم متضايقا منه, وشتمه آخرون وصاحوا فيه ليبتعد. لم يدركوا أن حاسة الشم الخارقة لديه كانت تلتقط رائحة غاز الرادون الذي ينطلق من جوف الأرض عند حدوث الزلازل, وأن سمعه الذي تزيد قوته ست عشرة مرة عن سمع البشر, كان يلتقط صوت الموجات القادمة بسرعة مخيفة على بعد مئات الأميال, ففر بعيدا أبعد ما يكون, وبأسرع ما يكون, عن الشاطئ المهدد بالخطر.
 

 
 
 
 
 
 

محمد المخزنجي