درس في الشهامة

درس في الشهامة

رسوم : صفاء نبعة

كان فريد عائدًا من المدرسة, فلفت انتباهه تجمع بعض أطفال الحي المطرودين من المدرسة في وسط الساحة, فدفعه الفضول إلى التوجه نحوهم استطلاعًا لما كانوا يفعلون.

حانت التفاتة من زعيم الأطفال المشردين, فرأى فريدًا يقترب من الجماعة, فصاح ساخرًا:

- يا ابن المدرسة, اذهب إلى بيتكم, واحفظ دروسك حتى لا يقرص المعلم شحمة أذنك.

وتضاحك الأطفال المتجمعون حوله, فعاد الزعيم يقول:

- اذهب يا ولدي حتى لا تنسى ما علموك في المدرسة من دروس الرفق بالحيوان.

وجرى نحو قط كان يمر بالقرب من الجماعة, وهو يصيح:

- أما نحن فنتعامل مع الحيوان برفق هكذا.. هكذا..

وقذفه بركلة قوية إلى الجماعة, فتقاذفته الأرجل الحافية كالكرة, حتى شج رأسه, وتكسرت أطرافه.

استشعر فريد المهانة والدونية, وهو يسمع كلام زعيم الجماعة المنحرفة وتعليقات أفرادها, ويرى نظراتهم المحتقرة, وحركاتهم المستفزة, فقرر أن يبرهن لهم على أنه لا يقل عنهم قسوة وعنفًا وشراسة.

وما كاد يحازي باب البيت حتى رأى قطة بيضاء تلتهم القمامة تحت شجرة, فأسرع نحوها, وعلى حين غفلة صرخ صرخة مدوية, فذعرت, وحاولت الهرب, لكن فريدًا أدركها, فركلها بعنف, فارتطمت بالجدار, وتلوت لحظة, ثم لاذت بالفرار بين عجلات السيارات.

انتبهت الجماعة إلى حركة فريد, فتعالى صفيرها وهتافها وتشجيعها لفريد على المضي في هذا التحول في معاملته للحيوانات.

انتشى فريد بتشجيع الجماعة, وجدد عزمه معاملة القطط وسائر الحيوانات الأليفة بمزيد من الفظاظة والغلظة والقسوة.

ومرت أيام, وفريد يتربص بالقطط الضالة على مرأى ومسمع من الجماعة.

وذات يوم, سافر فريد مع أهله إلى البادية لحضور حفلة عرس, وبينما هو نائم عند أحد أقاربه, خرجت عقرب سوداء من شق في الجدار كان قريبًا من الوسادة التي يتوسدها فريد, واقتربت منه أكثر حتى صارت على بعد أقل من شبر, فلما تهيأت للدغه, وهمت بالارتماء عليه, انقضت عليها قطة كانت تتربص بفأر مختبئ في جحر بجانب الوسادة.

وأثناء المعركة الضارية, هب فريد مذعورًا, فرأى القطة تقاوم العقرب بثبات وشراسة, فصاح مستغيثًا, وهو يقف بالباب غير قادر على البقاء داخل الغرفة, وفي الوقت نفسه, غير قادر على الهروب منها, مخافة الكلاب:

- أنقذوني.. أنقذوني.

وقبل أن يهرع إلى نجدته أهل البيت, دنت منه القطة دامية منهكة, واتكأت على العتبة ناظرة إليه بوداعة وحنان, وخيل إليه أنها تبتسم له, وأنها مطمئنة إلى إفلاته من غدر العقرب, ونجاته من سمها القاتل.

أحس فريد بتأنيب الضمير وهو يرى القطة المسكينة تقاوم العقرب لترد عنه خطر سمها, بالرغم من أنها لا تعرفه, وبالرغم من إمكان تعرضها هي أيضًا للخطر, وزادت في عينيه مكانتها وهو يراها تخرج من المعركة منتصرة, وتأتي إليه متواضعة دون منة, ودون افتخار, وتذكر فريد معاملته السيئة للقطط, فخجل من نفسه, وبدت له القطة أشرف منه وأنبل, فندم ندمًا شديدًا على ما سلف منه من تهور, وانحنى على القطة, يربت عليها, ويداعبها, ثم حملها على ذراعه إلى المطبخ, ليعالج جروحها, ويطعمها ويسقيها جزاءً لها على شهامتها وبطولتها.

 


 

أحمد زيادي