العالم يتقدم

العالم يتقدم

أسرار النباتات المفترسة

يستمد النبات معظم المواد الغذائية التي يحتاج اليها لنموه من التربة التي يوجد بها, ولكن التربة التي تعيش فيها النباتات المفترسة, حمضية تندر فيها تلك المواد الضرورية. ولهذا تقوم النباتات المفترسة بالتهام الحشرات والعناكب وغيرها, حتى تحصل على المواد البنائية, وإلا ذبلت وماتت.

ينتظر (صائد الذباب) أشهر وأقوى النباتات المفترسة, بصبر, بينما تتجوّل الحشرة الصغيرة داخل إحدى أوراقه التي توجد على أطرافها بروزات ذات شعيرات حسّاسة للمس. ولا تدرك الحشرة أن الخطر يتربّص بها على بعد عدة سنتيمترات, وعندما تتعمّق إلى داخل الورقة, لكي تتذوّق العصير ذا الرائحة الذكية الذي ينبعث منها, فإنها تكون قد ارتكبت خطأ قاتلاً: إذ إن لمس هذه الشعيرات التي تشبه الأشواك, يُحدث (تنشيطًا لها), فتتحرك فلقتا النبات - مثل فكّين - في أقل من ثانية, وتنغلقان على الحشرة الموجودة داخل الورقة. ويكون الصراع قصيرًا, إذ عندما تحاول الفريسة أن تلوذ بالفرار, تثير مقاومتها النبات أكثر, وتزيد من قوة غلق المصيدة عليها, حتى تصبح (سجنًا), وذلك لإحكام قبضة النبات على الحشرة. بالإضافة إلى منع البكتيريا من الدخول وإحداث عفن يضر بالنبات.

ولكن ما الذي يجعل ورقة النبات المفترس تنغلق بقوة على الفريسة? هناك خلايا في طبقة داخلية لورقة النبات تكون مشدودة للغاية, وينتج عن هذا حدوث (توتّر) في نسيج النبات, مما يؤدي إلى أن تصبح (المصيدة) مفتوحة. وعندما تلمس الفريسة الشعيرات التي تشبه الأشواك, يحدث تغير في ضغط المياه داخل هذه الخلايا, و(استرخاء) لنسيج النبات, ومن ثم انغلاق المصيدة على الفريسة. وينمو نبات (صائد الذباب) في منطقة جغرافية صغيرة, طولها نحو ألف ومائة كيلومتر, على طول ساحل ولايتي كارولينا الشمالية والجنوبية. وتعيش هذه النباتات المفترسة في تربة عرضية رطبة أو على جوانب المستنقعات, حيث تندر المواد الغذائية.

وحتى يكون النبات المفترس قادرًا على الاستفادة من الحشرات التي يقتنصها, عليه إجراء بعض العمليات الكيميائية البسيطة, فالنبات ليس لديه مخ أو جهاز عصبي مثل الإنسان, لإبلاغه بأنه جائع, ومن ثم يذهب إلى المطبخ لتناول بعض الشطائر! كما ليس للنبات عضلات للإمساك بالطعام, ومضغه وابتلاعه وأكسدته. إن نبات (صائد الذباب) يؤدي كل هذه العمليات بوساطة مجموعة من الأوراق المتخصصة, التي يمكن اعتبارها فمًا ومعدة في الوقت نفسه, حيث تفرز الورقة - من غدد على سطحها - خليطًا حمضيًا من الإنزيمات الهاضمة التي تحلل جسم الحشرة, ومن ثم يتم امتصاصها, ولا يبقى منها سوى هيكلها الخارجي الذي تدفع به الرياح أو تجرفه الأمطار بعيدًا, مثلما يحدث تماماً عندما يسقط على اوراق تلك النباتات مواد لاتصلح كطعام مثل فتات الاحجار أو الاغصان.

ولدى معظم النباتات المفترسة وسائل لجذب الفرائس. فعلى سبيل المثال فإن (صائد الذباب) يفرز عصيرًا حلو المذاق من غدد داخل أوراقه, له رائحة نفّاذة, يجذب الحشرات التي تبحث عن الطعام, إلى مصيرها المحتوم.

 


 

رءوف وصفي