جسر الخوف

جسر الخوف

ترجمة: حسن صبري
رسوم: محسن ابو العزم

ذات صباح كانت فراني تنتظر السيارة التي ستقلها إلى معسكر الكشافة, وتنظر إلى الساعة كثيرًا, وتهرول إلى النافذة كل بضع دقائق. لاحظت أمها ذلك فقالت لها: لا أظن أن هناك ما يدعو إلى كل هذا القلق!

قالت فراني: أعذريني يا أمي.. هذه أول مرة.. أريد أن أثبت وجودي وأنال محبة واحترام زميلاتي الجديدات.. الشجاعة هي أهم صفة لفتاة الكشافة, وأنا لا أستطيع أن أتغلب على خوفي وترددي في بعض المواقف.

ابتسمت الأم وقالت: في أكثر الأحيان لا يكون هناك سبب حقيقي للخوف.. تذكري هذا جيدا.

قالت فراني: من حسن الحظ أننا في عطلة الربيع والوقت غير ملائم لممارسة السباحة كما قالت السيدة وولف.. أنا أخشى من الماء كثيرا, أصبح أمامه مثل قطة خائفة, لكنني واثقة أنني سأكون شجاعة كأسد مادمت بعيدة عن الماء.

عند الظهر وصل إلى معسكر بحيرة كريستال 15 بنتا من جماعة الكشافة تصحبهن السيدة وولف قائدة الفريق. كانت في استقبالهن سيدة عجوز بدينة خفيفة الظل, هي زوجة السيد ديل مشرف المعسكر.رحبت السيدة ديل بالقادمات, وأخبرتهن أن زوجها غير موجود بالمعسكر, وسيغيب عنه بضعة أيام, وقدمت لهن الحلوى والشيكولاته.

أسكنت البنات كبائن مزدوجة, ولعبن بجوار البحيرة, وجمعن الخشب بعد العشاء, وأوقدن النار, وتحلقن حولها, وشدون بالأغاني المرحة.

أوت فراني إلى فراشها بعد حفلة السمر وهي تمتلئ بالسعادة, خطر ببالها حديث أمها فقالت لنفسها: صدقت أمي.. كل ما في المعسكر مبهج جميل.. لا يوجد شيء واحد مخيف!

في الصباح التالي أخذت السيدة وولف تتطلع إلى السماء وقالت: الجو رائع يا بنات.. هناك سحب كثيرة حول جبل بير.. ربما تمطر غدا فلنقم بنزهتنا إلى الشلالات اليوم.

انطلقت من البنات صيحات الفرحة, وقالت روز تيلور لفراني: النزهة هي الشيء المفضل لنا.. ستكون رحلة ممتعة أليس كذلك?

رنت إليها فراني في شك ولم تنطق بكلمة واحدة.

بدأت النزهة, وأخذت البنات يثبن في مرح بين أشجار الغابات الممتدة على جانبي الطريق, ويتوقفن قليلا لمشاهدة الزهور البرية, أو الإصغاء إلى تغريد طائر يختبئ وسط الخمائل, ومن قمة منحدر صخري شاهق أشارت روز تيلور إلى نهر صغير وقالت لفراني: أنظري.. ذلك (نهر بير).

أطلت فراني برأسها في حذر, ورأت النهر يندفع مصطخبًا عند سفح التل, وتضرب أمواجه المتلاطمة صخور المجرى بقوة ناثرة رشاش الماء في الهواء. بدا منظر الماء الهائج المضطرب غريبًا ومرعبًا لفراني, فهي لم تتعود رؤية قنوات الماء التي تجري بين المرتفعات. نسيت فراني ما رأت وواصلت السير وإذا بالطريق ينحني فجأة وينحدر إلى أسفل, مؤديًا إلى جسر خشبي معلق للمشاة يمتد فوق النهر.

صاحت جيني كاربنتر وهي تسبق زميلاتها: أنا أولاً!

حملقت فراني في الجسر وهو يتأرجح ويتراقص تحت قدمي جيني, ثم حولت عينيها إلى أسفل, حيث الماء يتدفق بسرعة هائلة ويتقلب ويتماوج ويضطرب ويفور ويرغي كأنه قدر ضخم يغلي, وتحول وجهها إلى الشحوب, وجعلت ترتجف, واستغاثت بروز تيلور قائلة بصوت متهدج وكلمات متلعثمة: أليس هناك طريق آخر.. أعني.. إلى الشلالات?!

أجابت روز: بلى.. ما علينا إلا أن نمشي عشرة أميال حول الطريق العام ثم ميلين بعد ذلك!

وواحدة بعد أخرى سبقت فراني 13 بنتًا إلى عبور الجسر,وأمسكت كل من السيدة وولف وروز بيدي فراني لتعبر الجسر. وما كادت البنت المذعورة تخطو خطوة واحدة إلى الأمام حتى تشبثت قدماها بالأرض, وقالت وهي تتراجع إلى الوراء وأنفاسها تتلاحق وتكاد تبكي: لا أستطيع عبور هذا الجسر المتأرجح المرن!

لاحظتها روز وحاولت أن تبث فيها الجسارة بلا جدوى, لم يوجد بقلب فراني مثقال ذرة من شجاعة في هذه اللحظات.

أخذت جيني تسخر منها وتردد بصوت منغم: قطة خائفة.. فراني قطة خائفة!

بكت فراني وأصرت على العودة إلى المعسكر, وأبدت روز استعدادها لأن ترافقها إلى هناك, لكنها صممت أن تعود وحدها وقالت إنها تعرف الطريق جيدا وسمحت لها السيدة وولف بالرجوع وقالت: الطريق واضح ومأمون ولا خوف عليها, يمكنها الرجوع بمفردها.

عادت فراني إلى المعسكر, ووجدت الخالة الظريفة ديل في المطبخ أمام الفرن تخبز كعك البندق, ووقفت بجوارها صامتة خجلى. ابتسمت السيدة السمينة العجوز وهي تحدق إلى وجهها وقالت: لا بدّ أنه الجسر المعلق!

قالت فراني في دهشة: فعلاً لقد أصابني بالدوار, ولكن كيف عرفت?!

أجابتها السيدة ديل وهي تقوقئ مثل دجاجة: كثيرات حدث لهن ذلك في البداية.

وهونت عليها الأمر وأخرجت الكعك من الفرن, وأعطت فراني كعكة وقالت: ما رأيك أن نستمع إلى الراديو? هناك برنامج مسلّ يذاع الآن.

وبينما كانت فراني تأكل الكعكة, وتصغي إلى الراديو, قطع البرنامج فجأة صوت مذيع يقرأ نبأ عاجلاً: مطر غزير مفاجئ على (جبل بير) مياه الفيضان تندفع بشدة نحو نهر بير, وستصبح على مسافة ميل واحد من بحيرة كريستال خلال ساعتين!!

صاحت السيدة ديل: هذا أمر سيئ.. ليتهن لم يذهبن إلى الشلالات اليوم!

سألتها فراني بصوت واهن: هل سيغرقن?!

قالت السيدة ديل وهي تخلع مريلة المطبخ: هن في أمان, ولكن الجسر المتحرك قد يجرفه الماء, وتصبحن محتجزات على الجانب البعيد للنهر طوال هذه الليلة.. سأذهب لأحذرهن.

توقفت ديل فجأة وقالت: لكني بطيئة مثل السلحفاة وسيحدث الفيضان قبل أن أصل إليهن!

بدت الحيرة على وجه فراني واستغرقت في التفكير, أشفقت على زميلاتها وأصابتها فكرة بقائهن وسط الجبال في الليل بالرعب. يمكنها أن تسرع إليهن وتنبههن إلى خطر الفيضان لولا ذلك الجسر المتأرجح الرهيب, جسر الخوف, هناك متسع من الوقت والطريق إلى هناك سهل ومعروف.. ولكن الجسر!!

وفي لحظة اتخذت قرارها وقالت بصوت مليء بالإرادة: سأذهب.

وانطلقت مسرعة, وعند قمة التل حيث يهبط الطريق نحو النهر, نظرت إلى دوامات الماء واطمأنت إلى أنه لم يرتفع بعد, وتذكرت زميلاتها, واستجمعت شجاعتها وعبرت الجسر بخفة وهي تعتقد أنها لن تبلغ الشلالات أبدًا. أرهفت السمع لهدير بعيد راح يعلو شيئًا فشيئًا, واندفعت في النهاية من فتحة بين الأشجار لتجد نفسها أمام الشلالات الهادرة الراعدة, وأبصرت زميلاتها هناك يضعن الخشب على صخرة استعدادًا لإشعال النار, وأطلقن صيحات الدهشة حين رأينها.

صاحت فراني وهي تلهث: المطر فوق (جبل بير) الراديو يقول إن الفيضان قادم وسيهدد الجسر!

أسرعت السيدة وولف والبنات بجمع الملابس والأشياء, واتخذن طريق العودة إلى معسكر بحيرة كريستال, تتقدمهن القائدة ومن خلفها فراني وبقية البنات. وعند نهر بير انتحت السيدة وولف جانبا مفسحة الطريق لمن وراءها لتكون في المقدمة, وكانت فراني وفي ثقة اجتازت فراني الجسر بخطى ثابتة واسعة, وتبعتها 41 بنتا. وأخيرا عبرت القائدة بعد أن اطمأنت إلى عبور الجميع. مشت فراني وهي تشعر بالزهو لعبورها جسر الخوف وإنقاذها زميلاتها, وقالت لها جيني في إعجاب: أنت طيبة ورقيقة المشاعر لكنك شجاعة أيضًا.. ألم تعبري وحدك الجسر وأنت تتوقعين حدوث الفيضان? أنا آسفة لأني دعوتك القطة الخائفة.. أنت شجاعة مثل أسد!

 

 


 

أليتا جونس