العالم يتقدم

العالم يتقدم

مجتمعات البكتيريا.. لغز بيولوجي!

عالم غريب لا تستطع أن تراه, ولكنه موجود في كل مكان حولك...إنه عالم الميكروبات, تلك الكائنات البالغة الدقة التي لا ترى إلا بالمجهر, ولهذا يطلق عليها (الكائنات المجهرية), مثل البكتيريا والفيروسات وغيرهما, ومن هذه الكائنات ما هو ضار يسبب الأمراض إذا دخل إلى الجسم, ومنها ما هو مفيد مثل بكتيريا التربة. والبكتيريا وحيدة الخلية, منها الكروية والعصوية واللولبية, وهي هوائية, أي لا تعيش إلا في وجود الأكسجين أو غير هوائية.

وبينما كان أحد العلماء يجري تجارب على البكتيريا, وضع الملايين منها داخل طبق صغير من الزجاج الشفاف في مختبره ليتمكن من دراستها بواسطة المجهر, وفوجئ بأن هذه الأعداد الهائلة من البكتيريا (تتناقش) و(تفكر) فيما بينها عن طريق إصدار إشارات في شكل مواد كيميائية تصدرها. ولساعات ساد سكون تام بلا حركة, ثم فجأة عقب إجراء (تصويت), فيما بينها ووصولها إلى قرار معين, (أضاءت) البكتيريا وملأت عالمها بوهج أزرق رقيق, بينما كانت تسبح في شكل جماعي.

واستجابة لإشارات كيميائية غير مرئية, فقد نما للبكتيريا زوائد خيطية, وتجمعت بجوار بعضها البعض الآخر مكونة (طوقا) من البكتيريا, ينساب بسهولة كسفينة فوق السطح الصلب للطبق الزجاجي الصغير! وتساءل العالِم: هل هذا (سلوك) غير عادي لكائنات بالغة الضآلة مثل البكتيريا? وحتى يجيب عن هذا السؤال, أخذ يراقب تلك السلوكيات يوميًا في مختبره, واتضح له أن هذه الكائنات المجهرية لا تستطيع الحياة منفردة ومنعزلة عن زميلاتها, بل إنها تعيش في (مجتمعات) منظمة!

وحيثما وجدت البكتيريا, فإنها تتعايش مع بعضها البعض في تجمعات ضخمة يبلغ عدد أفرادها الملايين. ويحدث ذلك في كل مكان تقريبًا, بدءًا من سطوح البحيرات إلى داخل أحشاء الحشرات, ويعتمد عمل هذا (المجتمع) البكتيري لتحقيق التعاون بين أفراده على عدد من وسائل الاتصال فيما بينها, التي تثبت أنها أكثر تطورًا أو إحكامًا, مما يعتقد أي إنسان عن هذه الكائنات متناهية الصغر.

وتستخدم البكتيريا أنواعًا محيرة من الرسائل الكيميائية, ليس فقط للتزاوج, ولكن أيضًا للتفرقة بين العدو والصديق, وأيضًا لبناء (جيوش) الدفاع عن المجتمع البكتيري, بالإضافة إلى تنظيم العمل داخل المجتمع, وحتى لتنفيذ عمليات (الانتحار الجماعي) لصالح مجتمعها, بل إن بعض الخبراء يعتقدون بوجود (لغة بكتيرية), لها مفرداتها ومعانيها!

وعندمايتهدد البكتيريا الموت جوعًا, فإنها تستجيب بإبداء سلوك يعبّر عن التنظيم الاجتماعي. فعندما يصل تركيز جزيئات المادة الكيميائية التي تطلقها, إلى أقصى قيمة لها - وكأنها تستغيب بباقي أفراد المجتمع البكتيري- تقوم أفراد عدة من البكتيريا, بانتحار جماعي, إذ أنها تطلق مواد تؤدي إلى انحلال خلاياها ومن ثم فناؤها, وذلك لتضمن لبقية البكتيريا حياة هانئة!

ويمكن لأنواع عدة من البكتيريا السباحة في السوائل باستخدام أهدابها القليلة التي تشبه الأسواط, ولكنها لا تستطيع التحرّك على الأسطح الصلبة, مثل أنابيب الماء. ولكن تتمكن مستعمرة البكتيريا التي تعيش على سطح ما من أن تلتصق ببعضها البعض, بحيث تصبح خلايا مستطيلة, مغطاة بآلاف من الأهداب السوطية الشكل, التي يمكنها أن تتحرك على هذا السطح, ومن ثم التجمّع بهدف التغذية أو الدفاع عن المستعمرة البكتيرية.

 


 

رءوف وصفي