الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

مدن إسلامية: القيروان

حين نصل مدينة القيروان التونسية نتذكر إحدى أهم المدن الأثرية التي لا تزال تحتفظ بصورة الحضارة العربية الإسلامية, في المدينة التي كانت أول عاصمة للإسلام في شمال إفريقيا, ولا يزال أهالي القيروان يتحدثون عن مدينتهم باعتزاز وفخر, يسردون عليك فصولاً عظيمة من تاريخها.

تقع مدينة القيروان على بعد (156) كيلومترًا من العاصمة تونس , وترتفع عن سطح البحر بنحو (60) مترًا. والقيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب.

يعود تاريخ القيروان إلى عام 50 للهجرة / 670 ميلادية, عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون, إذ كان يخشى إن غادر المسلمون المدن الإفريقية أن يعود أهل أفريقيا إلى دياناتهم السابقة.

وقد اختار عقبة بن نافع لها موضعًا بعيدًا عن البصر في وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب الروم فتهلكها. وقد لعبت مدينة القيروان دورًا رئيسيًا في القرون الإسلامية الأولى, فكانت العاصمة السياسية للمغرب الإسلامي ومركز الثقل فيه منذ ابتداء الفتح إلى آخر دولة الأمويين بدمشق.

عندما تأسست الخلافة العباسية ببغداد رأت فيها عاصمة العباسيين خير مساند لها لما أصبح يهدد الدولة الناشئة من خطر الانقسام والتفكك. ورأى هارون الرشيد أن يتخذ سدا منيعا يحول دون تسرب الخطر إلى دولته, فأعطى لإبراهيم بن الأغلب الاستقلال في النفوذ وتسلسل الإمارة في نسله. وقامت دولة الأغالبة (184-296 للهجرة / 800 -909م) كوحدة مستقلة ومدافعة عن الخلافة. وقد كانت دولة الأغالبة هذا الدرع المنيع أيام استقرارها, ونجحت في ضم صقلية إلى ملكها عام 264 للهجرة/ 878 م, وقام أمراؤها الأوائل بأعمال بنائية ضخمة في القيروان ذاتها ومنها توسيع الجامع في القيروان, وتوسيع الجامع في تونس, كما عمل الأغالبة على الاهتمام بالزراعة والري في المنطقة.

بعد انتقال الفاطميين لمصر ووصول المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة عام 362 للهجرة/ 973م اهتموا بالقيروان واتخذوها مركزًا لنائبهم في أفريقيا, وعهدوا إليه بالسهر على حفظ وحدة المغرب.

حين تدخل إلى أسواق مدينة القيروان تبهرك الحركة الكبيرة وتواضع الناس وأخلاقهم. وعندما تجالسهم تزداد انبهارا, فهم تونسيون من هذا العصر, ولكن يخيّل إليك أنك في عصر عقبة بن نافع من كثرة ما يخرج من أفواههم من مفردات وحكم دينية عربية.

كما نلاحظ في المناسبات الدينية مظاهر الزينة, التي تتخذ من سور المدينة لوحة يتمازج فيها بشكل رائع وجذاب الماضي والحاضر.

وأول ما يطالع المرء وهو يقبل على القيروان مآذن مساجدها العديدة, تطل عليها من جميع الأطراف. وفيها أول بيت ذكر فيه اسم الله في أفريقيا, فكانت قلعة للعلم والإيمان, انطلق منها الفاتحون لنشر الإسلام في ربوع المغرب الإسلامي الكبير, وتخرج فيها أعلام وفقهاء وأدباء وشعراء, بلغ إشعاعهم أقاصي الدنيا, عبر ما نشروه من علوم وفقه وأدب. وفي هذه المدينة يرقد الكثير من الأعلام والشعراء من أفريقيا والأندلس والجزيرة العربية. فهنا عاش ابن رشيق القيرواني, وابن شرف, والإمام سحنون, والحصري.

تستمد المدينة عراقتها أيضا من تاريخها, الذي شهد الكثير من الفتوحات, فمن القيروان قاد طارق بن زياد جيوشه لفتح إسبانيا, ومن القيروان انتشر الإسلام والحضارة الإسلامية في أكثر مناطق أفريقيا. أما جامع القيروان الكبير أشهر معالم المدينة فشيد عام 670 ميلادية على يد الفاتح عقبة بن نافع, واكتسب هذا الجامع شهرته كمنارة علم وثقافة, استطاعت أن تستقطب عديد العلماء والمفكرين, الذين جعلوا منها جامعة, بلغ إشعاعها أقصى العالم الإسلامي. وأصبحت إلى جانب جامع الزيتونة في تونس, والقرويين في المغرب, والأزهر في مصر, إحدى أهم المنارات في بلاد الإسلام. وشهد الجامع عمليات تجميل وتحصين على امتداد تاريخه, وأصبح بذلك معلمًا متميزًا.

 


 

هيثم خيري