بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

عتاب شجرة زيتون

إلى أسرة تحرير مجلة (العربي الصغير)

بعد التحية..

في العدد الماضي نشرتم في باب (بيتنا الأرض) موضوعًا في قصة عن كركدنة (أنثى وحيد القرن) اسمها ناعومي. والقصة تعكس تعاطف الكاتب الشديد مع هذه الكركدنة الصغيرة اليتيمة التي قتل الصيادون الجائرون أمها للحصول على قرنها الوحيد الثمين وبيعه للتجار في شرق آسيا. ويبدو أن الكاتب صار واحدًا من ملايين الناس المحبين للبيئة الفطرية الذين استجابوا لحملة الصندوق العالمي للحفاظ على الحياة البرية WWF الذي أطلق مشروع تبني الحيوانات المهددة بالانقراض بدفع مبالغ شهرية بسيطة يتم تجميعها من كل أنحاء العالم لتغطية رعاية هذه الحيوانات في محميات تقيها شرّ الصيادين والأمراض والحيوانات المفترسة. وهذا جميل ولا اعتراض عليه.

لكن لي عتاب يتلخص في أن الناس يتعاطفون كثيرًا مع الحيوانات ولا يعيرون أي انتباه للنباتات التي تتعرض لما هو أسوأ من الصيد الجائر للحيوانات, وسأضرب المثل بنفسي. فأنا شجرة زيتون في حقل يملكه فلسطيني بمزارع العرب حول رام الله. عمري يزيد قليلاً على ألف عام مثل الكثير من أشجار الزيتون التي تعمر حتّى ألف وخمسمائة عام وأكثر. ورثني المزارع الفلسطيني عن أجداده الذين غرسوني في حقولهم منذ مئات السنين. ومنذ مئات السنين لم أتوقف عن العطاء: ثمرًا يستخرج البشر منه زيتًا يضيئون به قناديلهم قبل مجيء الكهرباء, ويضعونه على موائدهم وأطعمتهم فيطيب لهم ما يأكلون, كما أنني أنشر ظلّي على من يحتمي بي من وهج الشمس الحارق في الصيف.

لم أفرق بين إنسان وإنسان تبعًا للدين أو الجنس, فكلهم من مخلوقات الله مثلي. لكنني بعد احتلال إسرائيل لأرض الفلسطينيين بدأت أشاهد وقائع مؤلمة يروح فيها البشر ضحايا للمجازر التي تنفذها طائرات ومدرعات وقناصة الجيش الإسرائيلي, وتحت ظلي مات أكثر من شهيد نازفًا دمه بعد أن تلقى رصاصة أو شظية قذيفة إسرائيلية. يظن معظم الناس أنني لا أحس ولا أتألم لأنني شجرة, وهم مخطئون, فالألم يعتصر غصوني لما أراه, وفي السنوات الأخيرة لم أثمر بغزارة كما في أيام فلسطين الحرة البعيدة, وجاءت ثماري مشوهة وقليلة الزيت من شدة ألمي, فالنبات يحس ويشعر ولكن بطرق مختلفة عنكم أيها البشر, والعلماء يعرفون ذلك.

وليت ألمي توقف عند ما أراه من آلام البشر الفلسطينيين, فقد فوجئت بجرافة مدرعة من مجنزرات الجيش الإسرائيلي تجتاح الحقل الذي أقف فيه مع أخواتي المئات من أشجار الزيتون, ولما حاول أصحاب الحقل الفلسطينيون الوقوف في وجه الجرافات اعتقلهم الجنود الإسرائيليون المسلحون بعدوانية وقسوة, وألقوهم في صناديق العربات المصفحة التي حملتهم إلى السجون الإسرائيلية. وما هي إلا لحظات حتى أحسست بألم قاتل يطيح بي عندما ضرب نصل الجرافة جذعي الصلب, ورأيتني مع أخواتي مقتلعات من الجذور ومطروحات على الأرض التي خربتها الجرافات. لقد نجوت لأن من تبقى من أهل القرية أسرعوا بعد ابتعاد الجرافات والجنود الإسرائيليين, وغطوا جذوري العارية بقمصانهم, ثم حملوني وغرسوني في حقل فلسطيني بعيد, لكن عشرات, مئات, بل آلاف وآلاف الأشجار الفلسطينية لم يكتب لها النجاة بعد أن اجتاحتها جرافات الجيش الإسرائيلي.

لقد اقتلعني الإسرائيليون من ترابي الفلسطيني, ليغتصبوا المزيد من الأرض لبناء مزيد من المستعمرات ومزيد من الجدار العنصري العازل عليها. ولم أسمع عن منظمة بيئية عالمية أو عربية تدعو إلى حملة مماثلة لتبني شجرة فلسطينية من أجل حمايتها من شر الاقتلاع والاجتياح الإسرائيلي الظالم.

إنني لن أعيش طويلاً فقد عشت الكثير, ومن المؤكد أن اقتلاعي من موطني الأصلي سيجعل عمري أقصر, لكنني أناشد ضمائر الإنسانية حماية أشجار الزيتون الفلسطينية الباقية, وأناشد ضمائر المدافعين عن البيئة التصدي لجرائم إسرائيل في حق البيئة, وكلنا يذكر إحراقهم حقول القمح في جنوب لبنان, وتسميم نسور الجولان, وزرع الألغام في أحراج جبل الشيخ, وتدمير بيارات البرتقال, فلماذا لا تكون هناك حملة - على الأقل - لتبني شجرة فلسطينية? لنسأل الشرفاء في العالم, ولنوجه رسائلنا إلى محبي الطبيعة والحياة الفطرية في مركزها العالمي على العنوان الإلكتروني التالي: www.wwf-uk.org

 


   
 
   
 

محمد المخزنجي