عُمانُ... شُكْرًا لِلْبَحْرِ

عُمانُ... شُكْرًا لِلْبَحْرِ

زارها: العربي بن جلون
صورها: حسين لاري

السَّماءُ صافِيَةٌ والشَّمْسُ ساطِعَةٌ والرِّيحُ هادِئَةٌ والسَّفينَةُ تُبْحِرُ بِنا, بَيْنَما الدَّلافينُ الجميلةُ, تَطْفو وتُغوصُ, في سُرورٍ وحُبورٍ كبيرَيْنِ.

كُنَّا نُداعِبُها حينًا, نُلْقي في أفْواهِها خُبْزًا وتُفَّاحا حينًا آخَرَ.

نَضْحَكُ مِنْ قَفَزاتِها البَهْلَوانِيَّةِ, وأصْواتِها الغامِضَةِ.

لَمْ تَمُرَّ, يا أصْدقائي, إلاَّ لَحَظاتٌ قَليلَةٌ, فَرِحْنا ومَرَحْنا فيها مَعَ الدَّلافينِ الوديعةِ, إذا بالسَّماءِ الصَّافيةِ الزَّرْقاءِ تمتلئُ بالغُيومِ السَّوْداءِ, فَتُغطِّي عنَّا نورَ الشَّمْسِ الدَّافئ.

ثُمَ يومِضُ البَرْقُ, يَقْصِفُ الرَّعْدُ, وتَهُبُّ ريحٌ عاصِفَةٌ, فَيَهيجُ البَحْرُ, ويَعْلو بِسفينَتنا إلى أعْلى أعْلى, ويَنْزِلُ بِها إلى أسْفَلَ أسْفَلَ, ونَحْنُ نصيحُ ونَصْرُخُ, نصيحُ ونَصْرُخُ.

لَمْ نَشْعُرْ بأنْفُسِنا إلاَّ والبَحْرُ يُلْقي بِنا على الشَّاطئ:

- اهْدأُوا, اطْمَئِنُّوا, ولا تخافوا أذًى, نَحْنُ إِخْوَتُكُمُ العُمانِيّون!

تساءَلْنا في دَهْشةٍ:

- إذنْ, نَحْنُ في سلطَنةِ عُمانَ!

- أهْلا وسَهْلاً بِكُمْ, سَتُمْضونَ مَعَنا أيَّامًا طَيِّبَةً.

قالَ الطّفْلُ العُماني عبدالله, فأجَبْتُهُ باشّا:

- شُكْرًا جزيلاً, أخي عبداللهِ, ألا قُلْ لِي:

أيْنَ تَقَعُ هذهِ البلادُ الخَضْراءُ?..

أنا أَحُلُّ بِها لأَوَّلِ مَرَّةٍ!

ضَحِكَ مِنِّى قائِلاً:

- شُكْرًا للبَحْرِ الذي ألقى بِكَ بَيْنَ أيْدينا السَّخيَّة,فَلَوْلا هذه الفُرْصةُ - كما يَظْهَرُ - لَما زُرْتَنا!

- حَقًا ما تَقولُ, فالكثيرُ يُفَضِّلُ أنْ يَزورَ دولاً أوربيةً, بَدَلَ..

قاطَعهُ عَبدُاللهِ:

- لا عَلَيْنا, كُلُّنا في الهَمِّ سواءٌ!

سألْتُهُ مُسْتغْرِبًا:

- ماذا تَقْصِدُ بِكلامِكَ, يا أخي?!

- نَحْنُ أيْضا, لمْ نَزُرْ بَلَدَكُمْ, أو نُشاهِدْها إلاَّ على شاشَةِ التِّلْفازِ.

إنَّ سَلْطَنَتي عُمانَ تَقَعُ في أقْصى الجنوبِ الشَّرْقي لِشِبْهِ الجزيرَةِ العَرَبيةِ.

تَحُدُّها الإماراتُ شَمالاَ, السعودَيةُ غَرْبًا, بحْرُ العَرَبِ شَرْقًا.

يَتْبَعُها عَددٌ من الجُزُرِ في خليجِ عُمانَ ومَضيقِ هُرْمَزَ, مِثْلَ (سلامَةَ) وفي بَحْرِ العَربِ مثلَ (مصيرَةَ) وجُزُر (الحلانياتِ) وتبلُغُ مساحتُها 309 آلاف كيلو متْرٍ مُرَبَّعٍ.

أراضي سَلْطَنَتي جَبَلِيَّةٌ تتخلَّلُها أودِيةٌ وسُهولٌ خضْراءُ.

تَعْلو هذه الجبالُ من ألْفِ مِتْرٍ إلى 3075 مترًا, منها الجَبَلُ الأخْضَرُ الذي يَزْخَرُ بأشْجارِ الفاكهَةِ.

- إنَّ (عُمانَ) اسْمٌ جميلٌ وسَهْلٌ في النُّطْقِ فماذا يَعْني?.. وكَيْفَ أُطْلِقَ على بَلَدِكُمْ الكريمِ?

- أَصْلُ هَذا الاسْمِ, يا صديقي, يُرْجِعُهُ البَعْضُ إلى قبيلَةِ (عُمانَ) القحطانيةِ. والآخَرُ إلى بانيها عُمانَ بْنِ سبأ, وإلى عُمانَ بْنِ لوطٍ النَّبِيِّ عليهِ السلامُ.

وهُناكَ مَنْ يأْخُذُ مَعْناها مِنَ الإقامَةِ, فَعَمَنَ أو عَمِنَ بالمدينَةِ: أقامَ. وعَمَّنَ وأعْمَنَ الرَّجُلُ: أقامَ دائِمًا.

وبلادي الجميلةُ لمْ تُعْرُفْ بهذا الاسْمِ فقطُ فمِنْ أبْرَزِ أسْمائِها (مجان) و(مزون) الأول يَعني بلُغَةِ السَّومَرِيّينَ (صناعةَ السُّفُنِ وصَهْرَ النُّحاسِ) والثاني يَدُلُّ على الماء الغزيرِ. فَكَلِمَةُ (مُزْنٍ) هيَ سُحُبٌ مُثْقَلَةٌ بالماءِ, واحِدَتُها (مُزْنَةٌ).

وكانتْ بلادي ومازالتْ أرْضًا خَضْراءَ, تَغْمُرُها الحُقولُ والسَّواقي.

تأتيها القبائِلُ العربيةُ لِتْسْكُنَ السُّهولَ وتُشْتغِلَ بالزِّراعَةِ والصَّيْدِ والرَّعْيِ وتربيةًِ الماشِيِة.

وهي من أوائِلِ الدُّوَلِ التي آمنَتْ بالدينِ الإسلامي في عَهْدِ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عنْدما أرْسَلَ عَمرو بنَ العاصّ إلى (جيفر) و(عبد) ابني الجلندي بنِ المُسْتَكْبرِ ملِكَيْ عُمانَ آنذاكَ.

وفي سنةِ 1624م طَرَدَ (اليَعارِبَةُ) البُرتُغاليِّينَ من السَّواحِلِ العمانيةِ والخليجِ العربي والمُحيطِ الهِنْدي.

ثُمَ جاءَ (البوسعيديونَ) بِرِئاسَةِ أحْمَدَ بْنِ سَعيدٍ سَنَةَ 1744 لِيقووا بلادي ويطَوِّروها ويَحْموها من المُسْتَعْمِرينَ.

أمْضَيْتُ أيّامًا جميلةَ في عُمانَ, لَمْ يُفارقْني عبدُاللهِ لَحْظةً.

زُرْنا خِلالَها قُرى ومُدُنًا ذاتَ عُمْرانٍ, منها (مَسْقطُ) عاصِمَة السلطَنَةِ, وصلالةُ, نْوي, صحار, صور, سَمايلُ.

كما شاهدْنا مُنْشآتٍ صناعيَّةً, تُنْجِزُ آلاتٍ وأثاثًا وموادَّ غذائيَّةً ومَشْروباتٍ وأدْوِيةً, وملابِسَ وجُلودًا وموادَّ البناءِ.

يَوْمًا ما, نَهَضْتُ صباحًا باكرًا, فَلَمَحْتُ سفينةً, يُرَفْرِفُ فَوْقها العَلَمُ المَغْربيُّ فاغْتنمْتُ الفُرْصَةَ, لأعودَ إلى بلدي العَزيزِ.

وبفؤادٍ يفيضُ سرورًا وحُبورًا, فارَقْتُ صديقي العُمانيَّ, وأنا أمتطي السَّفينَةَ المُغْربيَّةَ.

شَيَّعَني بِيَيدينِ حانِيَتَيْنِ:

- لا تَنْسَ أنْ تَزورَنا مِنْ حينٍ لآخَرَ..!

أَجَبْتُهُ ضاحِكًا:

- طَبْعًا, سَأزورُكُمْ كُلَّما ألْقى بي البَحْرُ بَيْنَ أيْديكُمُ السَّخِيَّةِ..!

انْطَلَقَتِ السَّفينَةُ, يَتْبَعُها عبدُاللهِ بَعَيْنَيْنِ دامِعَتَيْنِ..!

 


 



 










رزق وفير, من البحر السخي, على الشواطيء العمانية





للأطفال في سلطنة عمان هوايات كثيرة مثل الرسم, وعزف الموسيقى





في المناسبات القومية, نستطيع أن نرى الأزياء الشعبية الملونة الجميلة





في سلطنة عمان تقاليد عريقة للصناعات التقليدية مثل السفن