الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

تصوير: فهد الكوح

مدن إسلامية.. مدينة الزهراء

على بعد خمسة أميال غربي قرطبة كانت تقع مدينة الزهراء الجميلة, وهي إحدى المدن الإسلامية في الأندلس.. مدينة مزدانة بالزخارف الإسلامية من مختلف الأشكال, ممتلئة بمظاهر الثراء والبهاء الذي لا مثيل له.

كانت مدينة الزهراء تحتل مساحة طولها 1518 مترا وعرضها 745 مترا, ويحيط بها سور مزدوج على هيئة جدارين بينهما ممر, أما القسم الأوسط من السور الشمالي فكان يتكون من سور واحد وعليه برج حراسة.

ويعود اسم المدينة (الزهراء) إلى جارية عبد الرحمن الناصر الذي قيل إنه أنشأ المدينة لها وسماها باسمها لأنه كان يحبها بشدة ويحنو عليها, حتى إنه أقام لها تمثالاً على بابها الرئيسي, واستخدم في تشييدها الرخام المقطوع من أقوى المحاجر, فأحضر الرخام الوردي والأخضر من سفاقس وقرطاجة, والرخام الأبيض من المرية, كما أدخل الذهب والفضة في بناء منمنمات القصر, وتوسطه صهريج مملوء بالزئبق, وصنعت أبوابه الشمالية من الحديد والنحاس البراق, وزخرف بالعاج والأبنوس المرصع بالذهب والجوهر, وأقيمت به أعمدة من الرخام الملون والبلور الصافي..

ولكن عبد الرحمن الناصر لم يحب جاريته الزهراء وحدها, بل احتلت المدينة أيضاً مكانة عزيزة لديه, واهتم بأن يجعل منها درة مدن قرطبة.

والحقيقة أن عصر عبد الرحمن الناصر كان أعظم عصور الإسلام في الأندلس, حضاريا ومعنويا, وكانت قرطبة عاصمة الأندلس قد بلغت قمة العظمة والازدهار في ذلك الوقت.

قصور الزهراء

كانت تتألف قصور الزهراء من طرازين: أولهما عبارة عن فناء واسع يتوسط المكان, مكشوف, تحيط به الحجرات, والثاني أشبه بطراز المساجد التي تضم أروقة من بلاطات متوازية يفصل بينها صفوف من الأعمدة. كما كشفت حفائر المدينة الأثرية عن قطع لا حصر لها من الرخام المحلى بزخارف وكميات كبيرة من الخزف ذي البريق المعدني, وتيجان أعمدة من الرخام نقش عليها اسم عبد الرحمن الناصر. إلا أن القصر الذي سمي على اسم المدينة ذاتها كان يشبه أوصاف القصور التي تمتلئ بها حكايات ألف ليلة وليلة المسحورة, حتى أجمع المؤرخون على أنه لم يشيد في أمم الإسلام مثله في الروعة والأناقة والبهاء. كما أنشأ الناصر قصرا جديدا سماه دار الروضة, جلب إليه الماء من فوق جبل, واستدعى له المهندسين والبنائين المهرة من كل مكان, وأنشأ في طرقات المدينة متنزهات عظيمة.

كما أنشأ الناصر في الزهراء مسجداً عظيما, تم بناؤه في ثمانية وأربعين يوما, وكان يعمل فيه كل يوم ألف من العمال والصناع والفنانين, وزوده الناصر بعمد وقباب فخمة, ومنبر رائع الصنع والزخرف. وقد قال ابن خلدون في كتابه (نفح الطيب) إن طراز المدينة جاء آية في الجمال, وأنشئت بها مساحات فسيحة للوحوش متباعدة, ومسارح للطير مظللة بالشباك, ودار عظيمة لصنع السلاح, وأخرى لصنع الزخارف والحلي.

 


 

هيثم خيري

 










في سنة 401 هجرية, هوجمت مدينة الزهراء من قبل قبائل البربر, وتحولت إلى أطلال وخرائب وهذه الصور مما تبقى من هذه المدينة الإسلامية الجميلة