براعةُ الرسَّامِ

براعةُ الرسَّامِ

رسوم: صفاء نبعة

بدأ الراوي الشيخ يحكي لأحفاده القصة الجديدة, التي وعدهم بها, فقال: كان ياما كان, كان في قديمِ الزَّمانِ, وسَالِفٍ العصرِ والأوان. كان ملكٌ عادلٌ كريمٌ مشهورٌ بالسَّخاءِ والرأفةِ بقومِهِ, ولكنه كان يعاني من ثلاثِ إعاقاتٍ ونقصٍ في بعضِ أعضاءِ جسدِهِ.

وهنا سألَ أحدُ الأحفادِ جدَّهُ الراوي الشيخ قائلاً: وما الإعاقاتُ الثلاثُ التي كان يعاني منها هذا الملكُ العادلُ الكريمُ المشهورُ بالسَّخاءِ والرأفةِ يا جدِّي?

وتابع الرواي الشيخُ حكاية القصة الجديدة لأحفادِهِ, وبدأ يعددُ الإعاقاتِ الثلاث التي كانَ يعاني منها الملكُ, فقال: هو: أعورُ أولاً.

وهنا سألَ حفيدٌ آخرُ من الأحفادِ جدَّهُ الراوي الشيخ قائلاً: وما العورُ يا جدّي العزيز?

الراوي الشيخ قال: الأعورُ هو مَنْ ذهبَ بصرُ إحدى عينيهِ, لسببٍ منَ الأسباب.

وتابع الراوي الشيخُ تعدادَ إعاقاتِ الملكِ الثلاثِ فقال: وهو: أعرجُ كذلك ثانيًا.

وانبرى حفيدٌ ثالثٌ من الأحفادِ وسألَ جدّهُ قائلاً: وما العرجُ يا جدِّي??

وأجابَ الجدُّ قائلاً: الأعرجُ: هو مَن كانَ برجلِهِ شيءٌ من إصابةٍ خلقة أو بسببِ إصابةٍ طارئةٍ, تعيق قدرته على المشي بطريقة سوية, فيصبحَ مشيُه غيرَ متناسقٍ, ولا سَوِيّ, فهو عندما يمشي يغمزُ برجلِهِ, أي: ينزلُ ويرتفعُ خلالَ مَشْيِهِ.

وعادَ الجدُّ لمتابعةِ تعدادِ عيوب الملك الجسدية وإعاقاتهِ الثلاثِ. فقال: وهو: أكتع ثالثًا.

وتصدى هذه المرةُ الحفيدُ الرابعُ لطرحِ السؤالِ على جدِّهِ فقال: وماذا تعني أكتعُ يا جدّي العزيز?

وأجابَ الجدُّ على الفورِ قائلاً: الأكتعُ من الناسِ: هو مَن رجعتْ أصابعُهُ إلى كفّهِ, وظهرتْ وبرزَتْ مفاصلُ أصولِ أصابعِهِ.

وذاتَ يومٍ منَ الأيامِ خطرَ ببالِ هذا الملكِ العادل الكريم السخيِّ أنْ يُزَيِّنَ صدرَ ديوانِهِ الملكيّ بصورةٍ لَهُ لا تظهرُ فيها أيُّ واحدةٍ مِنْ عيوبِهِ الجسديَّةِ وإعاقاتِهِ الثلاث.

فدعا الملكُ الرسامين في دولتِهِ والدولِ المجاورةِ, وطلبَ إليهم جميعًا أنْ يصوروهُ صورةً منْ غيرِ أنْ يظهرَ في الصورةِ أيُّ واحد من عيوبِهِ, أو من إعاقاتِهِ الجسديةِ الثلاثِ, وعجزَ الرسّامونَ جميعًا عن أنْ يوفقوا في إبداع تلكَ الصورة المستحيلة العجيبة المطلوبة, التي رغبَ الملكُ بإبداعِهَا لتزينَ صدرَ ديوانِهِ الملكيِّ العامرِ.

ثم ذكرَ أحدُ مستشاري الملك أنَّ هناكَ فنانًا ماهرًا ورسامًا مبدعًا, من الممكنِ أنْ يرسمَ لهُ الصورةَ المطلوبةَ. فدعا الملكُ هذا الرسامَ, ومنّاهُ بجائزةٍ كبرى, إذا هو رسمَ لهُ تلكَ الصورةَ التي تخفي عيوبَهُ الجسديةَ وإعاقاتِهِ الثلاثَ. وطلبَ الرسَّامُ مهلةً للتفكيرِ, ووافق الملكُ على طلبِهِ.

وخطرَ ببالِ الرسَّامِ أنْ يصوّرَ الملك وهو في (وضعيةِ الصيادِ), الذي يتأهب لإطلاقِ النارِ من بندقيتِهِ, على صيْدٍ رآهُ, وهو في إحدى رحلاتِ الصيدِ, خاصةً أنَّ الصيْدَ هو إحدى هواياتِ الملكِ المحببةِ إلى نفسِهِ.

قال الرسّامُ المبدعُ: لابدَّ أنْ يُغْمِضَ الملكُ, أولاً إحدى عينيهِ, وهو يسدّدُ بندقيتَهُ إلى ما ينوي صيدَهُ, وهو في (وضعية الصيادِ), وبذلكَ نخفي أولى إعاقاتِ الملكِ وعيوبِهِ الجسديةِ, وهو: (عَوَرُهُ).

ولابدَّ للملكِ ثانيًا مِنْ أنْ يجْثُو على إحدى ركبتيِه, وهو يسدّدُ بندقيتَهُ إلى ما ينوي صيْدَهُ, وهو في (وضعيةِ الصيادِ), وبذلك نُخْفي ثاني إعاقاتِ الملكِ وعيوبِهِ الجسديةِ, وهو: (العَرَجُ).

ولابدَّ للملكِ ثالثًا وأخيرًا, وهو يسدّدُ بندقيتَهُ إلى ما ينوي صيْدَهُ, وهو في (وضعيةِ الصيادِ), منْ أنْ يضعَ إحدى يديهِ من تحتِ البندقيةِ ليُمْسِكَهَا, ويضعَ يدَهُ الأخرى ملويةً منْ فوقِ البندقيةِ, ليتحكّمَ بها ويُثَبّتهَا. وبذلك نخفي ثالثَ إعاقاتِ الملكِ وعيوبِهِ الجسديةِ, وهو: (كَتعُهُ).

وعندما أتمَّ الرسامُ الماهرُ المبدعُ إبداعَ ورسم صورةِ الملكِ, وهو في: (وضعيةِ الصيادِ), التي تُخفي إعاقاتِهِ الثلاث, وعيوبَه الجسدية, قدمها له.

وعندما نظر الملك مليًا إلى الصورة التي رسمها الفنان المبدع, سرَّ بها سرورًا بالغًا, وأثنى كثيرًا على إبداعِ الرسام الفنان لرسمه هذه الصورةِ الإبداعيةِ, التي استطاعت إخفاءَ عيوبه الجسديَّة, وإعاقاتِهِ الثلاث, وجَاءتْ كما يرغبُ الملكُ ويحبُّ ويَتَمَنَّى تمامًا.

وشكرَ الملكُ الرسَّامَ الفنانَ الماهرَ المبدعَ, على ما صنعَ مِنْ إبداعٍ, وكافأَهُ مكافأةً حسنةً, وأمرَ الملكُ في الحالِ, بتعليقِ صورتِهِ في صدرِ ديوانِهِ الملكيِّ. وأصبحتْ صورةُ الملكِ الإبداعيةِ الرائعةِ العجيبةِ حديثَ كلِّ مَنْ زَارَ هذا الملكَ الشريف العادل في ديوانِهِ العامرِ.

 


 

عيسى حسن الجراجرة