أصغر طفل في العالم (قصة يابانية)

أصغر طفل في العالم (قصة يابانية)

رسم: عمرو صبري

إن بطل قصتنا هو (تيميموتو) وهو اسم عجيب لطفل فعلاً عجيب, وذلك لأن قامته لا تتعدى خمسة سنتيمترات إذا قمنا بقياسه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه, فهل تخيلت حجم هذا الطفل? إنه صغير.. صغير جدًا, وإذا أردت أن تراه لابد أن تنحني على ركبتيكَ كي تراه, لأنه أصغر طفل في العالم.

إلا أن صغر قامته لم تمنعْ أبويه من حبه ورعايته فهو بالنسبة لهما طفل طبيعي لأنه أولاً وأخيرًا ابنهما, وإذا أثارَ صغر حجم (تيميموتو) فضول أي شخص وتساءل عن سبب حجمه يرد والده قائلاً:

- أنا واثق أنه في الوقت المناسب سوف يستعيد حجمه الطبيعي.. ثم يكمل ضاحكًا:

- كما أنه لا يمثل لنا أي عبء سواء في مأكله أو في ملبسه.

وتبتسم والدته قائلة:

- وأنا أيضًا لا أجدُ صعوبةً في رعايته, ويكفي أن أضعه في جيبي ليظل تحت عيني ورعايتي.

إلى أن جاء يوم طلب فيه (تيميموتو) من والدته أن تتركه يستطلع المكان من حولهِ لأن الملل والضجر أصاباه من البقاء طوال الوقت بجيب والدته.

وأذعنت الأم لطلب ابنها وهي مشفقة عليه من عاقبة الموافقة على رغبته وحذرته قائلة وهي تمد يدها لشعرها لتنزع أحد مشابكه:

- عليك أن تحترسَ لخطواتك وأن تحتفظ بهذا الدبوس معك أينما ذهبت.

فرحَ (تيميموتو) بالسيف الصغير الذي أهدته إليه والدته, ونزل متزحلقًا بحذر شديد على ثوبها, وما إن لامست قدماه الأرض حتى أحس بأنه ليس فقط أصغر طفلٍ في العالم ولكن أنشطهم وأخفهم على الإطلاق.

ومنذ ذلك اليوم بدأت متاعب (تيميموتو) تظهر وتزداد يومًا بعد يوم, فقد كان بارعًا في مطاردة الفراخ الصغيرة داخل المطبخ وهو يلوحْ لها في الهواء بسيفه الصغير, فرحًا بهذه المطاردة التي تشعرهُ بمدى قوته وشجاعته متجاهلاً نظرات الدجاجة الأم الغاضبة وصيحاتها المحذرة بالابتعاد عن فراخها.

وفي يومٍ من الأيام, وأثناء انهماك الصبي الصغير في لعبه ولهوه. لمح على مرمى بصره طوقًا يتلألأ تحت أشعة الشمس, وباقترابه من هذا الطوق اكتشف (تيميموتو) وجود نهر صغير يلتف حول حديقة منزله ويصب في بحرٍ كبير عجزَ الصبي عن رؤية نهايته, ولأن ظروفه لم تسمح له بتعلم السباحة, إلا أنه في لحظات عثر على زورق خاص به وهو في الواقع لا يتعدى كونه الفنجان الخشبي الخاص بأبيه.

وفي لحظات استمتاعه بتأرجح قاربه, كان القلق والخوف يعتصران قلبي والديه اللذين فشلا في إقناعه بالعدول عن الذهاب يوميًا إلى النهر.

وفي يوم أثناء تنزهه بالقارب, أحس (تيميموتو) برغبته في الاستلقاء قليلاً على ظهر المركب متأملاً زرقة السماء من فوقه يتخللها السحاب بأشكاله المتعددة, وداعب النسيم العليل وجهه فاسترسل الصبي مستمتعًا بأرجحة الأمواج وهدير البحر الذي أثقل جفونه ليستغرق في النوم داخل زورقه.

إلا أن هطول الأمطار بشدة فوق الجبال حوّل النهر الصغير إلى بحيرة كبيرة تدفع بمياهها المتدفقة الفنجان الصغير بعيدًا عن الشط, ليستيقظ الصبي داخل دوامات تعبث بزورقه الذي أخذ يلف ويدور في بحر كبير.

وظل الصبي على هذه الحال زمنًا من الوقت إلى أن اصطدم الزورق الصغير أخيرًا بإحدى مراكب الصيد الراسية على أحد الشواطئ, فقام الصياد بانتشال الفنجان الذي لفت نظره وعندما قربه من عينيه لم يصدق ما رأى بداخله فصرخ مذعورًا:

- يا إلهي.. أحقًا ما أرى.. من أنت بالله عليك?

فابتسم تيميموتو قائلاً:

- إنه أنا تيميموتو.. ألم تسمع عني من قبل, كل فرد في قريتي يعرفني فأنا أصغر طفل في العالم.

فأجاب مستعجبًا: في بلدتك نعم.. لكن هنا.. أعتقد أنه لم يسمعْ عنك أحد.

وتلفت الصبي حوله ليرى ما تعوّد أنْ يراه من حقول وأشجار وطيور إلا أن كلّ ما وقعت عليه عيناه أثار دهشته, فقد تبدلت ضفة النهر ببنايات ضخمة وبيوت متلاصقة وأعداد غفيرة من السكان.

فرفع تيميموتو نظره إلى الصياد متسائلاً:

- وكيف أستطيع أن أعود إلى قريتي?

فأجابه الرجل: لا بد لك من الانتظار هنا إلى أن تظهر مركب من مراكب الصيد تتوجه إلى قريتك, ولكن انتبه جيدًا لما قد يحدث لك, فكثير من هؤلاء السكان لا ينظرون إلى مواضع أقدامهم, كما أنصحك بعدم الخروج بعد غروب الشمس وإلا سوف يلتهمك الوحش.

وتعجب تيميموتو من الكلمة, (وحش.. .ماذا تعني بكلمة وحش?),

أكمل الرجل محذرًا (إنه مخلوق كبير يدمر ويفترس أي شيء يقع في يده).

وعلى مرمى بصره, رأى (تيميموتو) موجة كبيرة تتجه نحو الشاطئ فأمعن بصره ودقق فإذا بالبحر ينشق ويخرج منه فجأة كائن ضخم, جسده مغطى بالقواقع والأعشاب وطحالب البحر, ويتوسط ظهره صف من الأشواك, وفي رأسه تتوسط عين واحدة حمراء.

وأثار هذا الكائن دهشة (تيميموتو) أكثر من خوفه لأنه تعود على رؤية كل شيء من حوله عملاقًا كبيرًا, وهمس لنفسه قائلاً هذا هو إذن الوحش!!

وبخطوة واحدة, وجد تيميموتو نفسه بالقرب من الوحش الذي خرج من البحر متذمرًا وغاضبًا وهو يزأر قائلاً:

.. أين الطعام? أين عشائي? إنني جائع.

أخذ (تيميموتو) يتسلق جسد الوحش المغطى بالطحالب والقواقع, وفي كل قفزة يقفزها الصبي يقوم بغرز الدبوس في جزء من أجزاء جسده المختلفة, فجن جنون الوحش الذي نسي جوعه وانهمك في طرد الناموس الملتف حوله.

ووصل (تيميموتو) بالقرب من أذنه وصرخ قائلاً:

- أنا لا أخشاك ولا أخافك.. فما أنت سوى حقيبة ضخمة مليئة بالهواء.

عندها رفع الوحش يده عاليًا وهوى بها بعنفٍ على عنقه كي يسحق الطفل الصغير الذي تسلق بسرعة إلى رأس الوحش, وأمسك بكلتا يديه الدبوس وقام بطعنه بكل قوته في رأس الوحش فانغرز النصل في عين الوحش.

صرخ الوحش صرخة دوتْ في كل الأنحاء وأخذ يترنح ويهوي ببطء, مطلقًا صفيرًا حادًا من بين أسنانه كالبالون المنفوخ, واستمر هذا المشهد للحظات وهو يتأرجح يمينًا وشمالاً هابطًا إلى أن استقر لافظًا آخر أنفاسه.

فتنفس (تيميموتو) براحة وهو لا يصدق أن الأمر قد انتهى على خير, إلا أن حكايتنا لم تنته عند هذا الحد وماحدث بعد ذلك لم يصدقه عقل الصبي الصغير, فقد بدأ يكبر شيئًا فشيئًا, ويزداد حجمه ليصبح خمسين سنتيمترًا, ثم خمسة وسبعين, ثم مترًا, ثم مترًا وخمسين سنتيمترًا, ثم مترًا وخمسة وسبعين سنتيمترًا.

عندها صرخ (تيميموتو) قائلاً: (يا إلهي. ماذا يحدث لي.. أنا لا أريد أن أصبح عملاقًا).

وهداه تفكيره أن يحبس أنفاسه ممسكًا بأنفه ليتوقف عن التنفس للحظات, ونجح الشاب الشجاع في الوصول إلى هدفه, وتأمل نفسه في إعجاب فقد صار شابًا يافعًا يرى الدنيا بعين جديدة.

وعاد (تيميموتو) إلى قريته بعد أن فاز بالمكافأة الكبيرة التي وعد بها حاكم المدينة لمن ينجح في التخلص من الوحش, وما إن وصل إلى منزله حتى وقعت عيناه على أمه التي افترشت الرمالَ في انتظار عودة ابنها المفقود, فوقف أمامها وقبل أن ينطق بكلمة نظرت الأم إلى عينيه في دهشة قائلة:

- يا إلهي.. ابني تيميموتو.. إنك هو أليس كذلك?

وأذهبت المفاجأة الأم التي عجزت عن البكاء أو الضحك, واكتفى والده بالتعليق قائلاً:

- لقد أكدتُ لكم من قبل أن هذا الصغير سوف يكبر عندما يحين الوقت الملائم لذلك.

 


 

ترجمة: منال حلمي ضيف الله