حسبة برما

حسبة برما

رسوم: عبد العال

يبدو أن منظر (علاء) كان غريبًا للغاية وهو يوشك على الاختناق تحت كومة هائلة من الأوراق التي احتشدت بين جبلين من الكتب على مكتبه, بينما راح هو يحك جبهته مرارًا, ويعقد حاجبيه مرات أكثر كأنه يحاول التفكير في الخروج من مأزق خطير, حتى أن انهماكه في التفكير جعله لا يفطن إلى دخول جده حجرته منذ دقائق دون أن يشعر به بالمرة, ولا حتى عندما جلس أمامه على المقعد المواجه للمكتب. وأخيرًا قال الجد في لهجة هادئة وهو يبتسم:

- (حسنًا يا (علاء).. ما الخطب? مالك تبدو وكأن نهاية العالم وشيكة?).

انتبه (علاء) لوجود جده, فابتسم في حذر وارتباك وهو يغمغم مُحرجًا:

- (يبدو أن الأمر كذلك بالفعل يا جدي!).

ارتسمت الدهشة على وجه الجد ثم ضحك قائلاً:

- (يا إلهي!..ماذا حدث يا بني?).

مد (علاء) يده بكومة الأوراق التي أمامه على المكتب إلى جده وهو يشرح له:

- (هذه المسألة الحسابية يا جدي.. لقد قضيت خمس ساعات محاولاً التوصل إلى حل مناسب لها.. ولكن بلا جدوى..).

تناول الجد الأوراق من (علاء) وهو يتساءل:

- (أي مسألة?!).

قال (علاء) وهو يناول جده القلم مشيرًا إلى مسألة عند رأس الصفحة التي امتلأت بعشرات المحاولات الفاشلة لحلها:

- (هذه هي يا جدي.. لا بد لتوحيد مقامات هذه الكسور من الحصول على عدد يقبل القسمة على اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وثمانية.. ولكن هذا مستحيل.. أعتقد أن هناك خطأ في المسألة أو..).

ثم سكت (علاء) وترك جده يتأمل الأوراق متوقعًا أن يؤيده في هذا الرأي ويؤكد له خطأ المسألة نفسها فيريح عقله نهائيًا من محاولة حلها!

.. إلا أن الجد الذي تأمل المسألة قليلاً أعاد الأوراق إلى (علاء) وهو يقول ولم تفارق الابتسامة شفتيه:

- (أرى أنك قد أحسنت صنعًا يا بني عندما حاولت كل هذا العدد من المرات في محاولة حل هذه المسألة.. ولكني أنصحك ألا تتخل عما تبحث عنه لمجرد أنك وجدت الأمر بلا جدوى.. وألا تتهم واضع المسألة بالخطأ لمجرد أنك لم تعثر بعد على الحل الصحيح..).

تناول (علاء) الأوراق مغمغمًا في حرج:

- (ولكن يا جدي..).

قاطعه الجد قائلاً:

- (ولكن يجب أن تعتمد على ذكائك وبداهتك العقلية التي رزقك الله سبحانه وتعالى بها وألا تعتمد الاعتماد الكلي على النتائج التي قد تولد صدفة على ورقة الحلول.. خاصة أن هذه المسألة ليست هي (حسبة برما) على كل حال!).

عقد (علاء) حاجبيه في دهشة وسأل جده مستفسرًا:

- (حسبة برما.. ما هذا التعبير الغريب يا جدي?!).

أجاب الجد في هدوء:

- ((برما) هذه هي قرية مصرية من قرى محافظة (الغربية).. يقولون إن إحدى الفلاحات رقيقات الحال كانت تعيش حياة بسيطة في هذه القرية وكانت تقوم بتربية الطيور من بط ودجاج وحمام, ثم تجمع البيض في نهاية كل أسبوع وتضعه في سلتها وتذهب لبيعه في السوق.. وبينما هي ذاهبة إلى السوق في أحد أيام الجمع كالعادة, اصطدم بها حمار مسرع, فسقطت منها السلة وتكسر البيض كله, فجلست بجانبه تبكي, لكن صاحب الحمار طمأنها بأنه سوف يدفع لها ثمن البيض باعتباره المسئول, لكن الفلاحة قالت: (أنا لا أعرف ثمن البيض لأنني لا أعرف عدده بالضبط, كل ما أعرفه أنني كلما عددته اثنتين اثنتين بقيت بيضة, وكلما عددته ثلاثًا ثلاثًا بقيت بيضة, وكلما عددته أربعًا أربعًا بقيت بيضة, وكلما عددته خمسًا خمسًا بقيت بيضة, وكلما عددته ستًا ستًا بقيت بيضة, وكلما عددته سبعًا سبعًا لم يبق أي شيء). فاحتار الفلاح صاحب الحمار وراح يضرب أخماسًا في أسداس وتجمع حوله رجال من القرية يساعدونه لكنهم لم يتوصلوا إلى الحل! حتى جاءهم أخيرًا فتى في نفس عمرك يا (علاء).. هذا الفتى أعمل عقله فتوصل بسرعة إلى الحل الصحيح, وعرف عدد البيض.. وقبل أن تسألني.. كان عدد البيض ثلاثمائة وواحدة).

صمت (علاء) مبهورًا من الحكاية ومن ذكاء الفتى وسمع جده يشجعه قائلاً:

- (وأنت أيضًا يا (علاء).. إذا فكرت قليلاً ولم تيأس من المحاولة فسوف تتوصل إلى الحل الصحيح).

وبالفعل توصّل (علاء) إلى حل المسألة..

فهل تستطيع أنت أيضًا أن تتوصل إليه?! لن أخبرك به لأنك سوف تعرفه وحدك!

 

 


 

هاني حجاج