بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

مجنون ثقب الأوزون

رآه الصيادون يخبّط ويلبّط ويبطبط ويعيّط, فقالوا: مجنون. ظنوا أن الدب القطبي الأبيض وهو يضرب في الماء ويركل الثلج ويصرخ ويلطم وجهه أصابه الجنون. لكنه لم يكن مجنونا. كان منهكا وجائعا ومتضايقا ويعاني الفشل في العثور على الطعام الذي يحبه من الفقمات المطوقة. هذه الفقمات تختبئ عادة في الماء تحت غطاء الجليد. وهو يمشي ويمشي حتى يعثر على حفرة من الحفر التي تصنعها الفقمات وسط الجليد لتتنفس منها. يقترب متلصصًا كاتما أنفاسه وما إن تطل فقمة برأسها حتى يسرع باختطافها والتهامها. ومنذ فترة طويلة وهو يمشي متعثرا دون أن يعثر على شيء يأكله. شيء ما غيّر طبيعة المنطقة القطبية التي يتحرك فيها الدب الأبيض. ذاب الجليد في مساحات شاسعة تقاس بآلاف الأميال المربعة تاركا المنطقة مثل مستنقع تتداخل فيه الثلوج وبرك الماء والوحول. وهو لايجيد المشي في هذا المستنقع كما أن هذا المستنقع لا يتيح له حرية السباحة ليصل إلى مكان الفقمات التي هربت بعيدا.

مضى وقت طويل والدب القطبي الأبيض يفشل في العثور على مايأكله. الصيف يوشك على الانتهاء وهو لم يؤهل جسده لاحتمال الشتاء القطبي المظلم الطويل. كان معتادا أن يأكل كثيرا في الصيف ليراكم الدهن تحت جلده قبل أن يدخل في فترة البيات الشتوي. درجة الحرارة في الشتاء تهبط إلى ما دون الأربعين درجة تحت الصفر والشمس لا تشرق على المنطقة القطبية طوال شهور. ماذا يفعل الدب القطبي الأبيض? خبّط ولبّط وبطبط وعيّط من شدة اليأس حتى ظن الصيادون في المنطقة القطبية أنه دب مجنون. ولم يكن هو المجنون.

كان المجنون هو الكائن الذي تسبب في تشويه المنطقة القطبية بسوء تصرفه مع الطبيعة. ظل يجري آلاف التفجيرات النووية ليجرب أسلحته القذرة غير مهتم بما ينتج عنها من حرارة وغازات وإشعاعات. وأسرف في إطلاق الصواريخ الفضائية التي تتخلف عنها نفايات مؤذية للغلاف الجوي. أما الطائرات الحربية النفاثة فهي تنتج من الموجات التصادمية ما يخلخل أميالا من طبقات الغلاف الجوي العليا ناهيك عن عوادمها من الحرارة والغازات الضارة. إضافة لغازات الكلورو فلورو كربون المستخدمة في البخاخات والثلاجات وأجهزة التكييف العاملة بغاز الفريون. كل ذلك أدى لتآكل طبقة الأوزون في الغلاف الجوي وتكوين ثقب كبير فوق المنطقة القطبية. ومن هذا الثقب تنصب أشعة الشمس الحارقة محملة بالأشعة فوق البنفسجية الضارة وتذيب الكثير من الجليد القطبي. تجعل منطقة الدب القطبي كالمستنقعات.

أخيرا سقط الدب القطبي الأبيض من شدة الإنهاك والجوع. لم يعد يلبط ويخبط ويبطبط ويعيط. كان يتنفس بصعوبة بين أقدام الصيادين الذين رأوا فيه صيدا سهلا حصلوا عليه دون تعب معتقدين أن جنونه أوقعه بين أيديهم. غير منتبهين إلى أن مايهدد الدب الأبيض يهدد الحياة كلها. فلو انقرضت الدببة البيضاء لزادت أعداد الفقمات والتهمت المزيد من الأسماك حتى تنقرض الأسماك. وعندما تنقرض الأسماك تموت البحار والمحيطات.. ويهدد الموت الإنسان!

 


 

محمد المخزنجي