سنة أولى صيام

سنة أولى صيام

رسوم: ماهر عبد القادر

عاد سعيد من مدرسته في موعده.. دخل غرفته فوضع حقيبة كتبه في مكانها وبدأ يستبدل ثيابه إلا أنه توقف فجأة ونظر في ساعة يده وقال: ما زال هناك وقت طويل حتى أذان المغرب.. الجوع يقرص بطني.. سأذهب لأرى ما الأصناف التي جهزتها أمي لطعام الإفطار.

اتجه سعيد إلى المطبخ فوجد أمه مشغولة بإعداد الطعام.. فسألها:

ماذا تعدين لطعام الإفطار?.. صينية مكرونة بالجبن.. كفتة مشوية .. صينية بطاطس مع الفراخ.. شوربة عدس.. هل هناك أصناف أخرى?

ابتسمت أم سعيد وقالت له: هناك سلاطة خضراء وسلاطة زبادي.. وهناك مشروبات باردة متنوعة..

قبل سعيد أمه وخرج من المطبخ وهو يفكر في هذه الساعات الباقية على موعد أذان المغرب وتناول طعام الإفطار فذهب إلى حجرته وارتدى ملابسه المنزلية ثم جلس مسترخيا أمام جهاز التلفزيون.

ارتفع أذان المغرب والتفت الأسرة حول مائدة الطعام.. مد سعيد يده إلى الزجاجة المملوءة بالعصير وصب لنفسه كوبا.. ولما شربه صب كوبا آخر وثالثا ثم نظر إلى أصناف الطعام وغرف في صحنه كمية من المكرونة ووضع معها سبع قطع من الكفتة ولما أكلها وضع قطعتين من الفراخ مع كمية البطاطس ولما انتهى قال:

لقد نسيت شوربة العدس.. وملأ صحنه بالشوربة ثم عاد فملأ الصحن بالسلاطة الخضراء.. وابتسم وهو يقول:

لا داعي لسلاطة الزبادي..

قبل أن يقوم سعيد من أمام مائدة الإفطار شرب زجاجة من المياه الغازية وكوبا من الماء المثلج ثم سأل والدته عن أصناف الحلوى فقالت له: أعددت صينية كنافة وصينية بقلاوة, فذهب سعيد إلى حيث كانت الصواني ووضع قطعتين كبيرتين من الكنافة وقطعتين من البقلاوة وأكلها ثم عاد وأكل قطعة كنافة وقطعة بقلاوة.. وبعدها صاح:

الآن امتلأت بطني.. الآن أشعر بالشبع.. سأشرب كوبا من الشاي... هل يشاركني أحد?

لم يجب أحد على سؤال سعيد الذي حمل كوب الشاي وجلس مرة أخرى أمام التلفزيون.

بدأ سعيد يشعر بالغثيان وبالرغبة في القيء ثم هاجمه مغص شديد فأخذ يتلوى في مكانه ويصرخ.. نادى أمه وأباه أن يسعفاه لكن أحداً لم يتحرك.. توسل إلى شقيقه أن يطلب له الطبيب لكن شقيقه نظر إليه بلامبالاة..

ازداد صراخ سعيد وبكاؤه وكان يضغط على بطنه بكلتا يديه..

شعر سعيد بأمه تربت على كتفه وتناديه برفق:

سعيد.. سعيد.. مالك يا بني.. قم يا حبيبي فقد اقترب موعد أذان المغرب فقال لأمه:

كان حلما مفزعا ومضحكا.. لقد أكلت....

قاطعته أمه قائلة:

نحكي الحلم بعد الإفطار.. اذهب الآن فتوضأ واجلس مع أبيك وأشقائك على المائدة.. فقد اقترب موعد أذان المغرب.

قام سعيد فتوضأ ثم جلس إلى المائدة.. وما هي إلا ثوان قليلة وارتفع أذان المغرب..

قال الأب.. قبل أن يشرب كوب العصير الموضوع أمامه:

(اللهم لك صمت.. وعلى رزقك أفطرت.. فتقبل صيامي يا أرحم الراحمين..).

ردد أفراد الأسرة ما قاله الأب قبل أن يشرب كل منهم كوب العصير الموضوع أمامه..

من المذياع جاء صوت المذيع يقرأ حديثا عن سيدنا رسول الله..

نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع .

ردد الجميع.. صدق رسول الله..

أخذت الأم صحن سعيد لتضع له بعض المكرونة فقال لها:

يكفي معلقتان فقط يا أمي..

ولما مدت يدها إليه بطبق الفراخ أخذ قطعة واحدة صغيرة وشكرها.. ثم أخذ كمية من السلطة الخضراء.

قدمت الأم لابنها بعض المكرونة لكنه شكرها مبتسما وقال:

ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك..

قال والده.. صدق رسول الله..

انتهت الأسرة من تناول طعام الإفطار ثم قام الجميع لتأدية صلاة المغرب..

قدمت الأم لأبنائها صينية حلوى صنعتها بيديها.. اكتفى سعيد بقطعة صغيرة.. وشكر والدته وقبلها وهو يقول: سلمت لنا يداك يا أمي..

سألت الأم ابنها: وماذا عن الحلم الذي أفزعك قبل موعد الإفطار?

ضحك سعيد وقال: لم يكن حلما.. كان كابوسا وتعلمت منه حقيقة الصوم فرمضان هو شهر الصيام وليس شهر الطعام.. فقد أكلت في هذا الحلم حتى أصبح الطعام كابوسا يهدد حياتي فأخذت أصرخ حتى أيقظتني بيدك الحانية..

ضحك الأب مع الأم والأبناء من حلم سعيد الذي قال: تعلمت أهم دروس الصيام..

ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك..

قال الجميع.. صدقت يا رسول الله..

 

 


 

سلوى العناني