بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

تيبو.. (قريبو) مثل (غريبو)

كان الأولاد الصغار يحلمون باقتناء كلب صغير صغير يلاعبونه ويلاعبهم, يصاحبهم, ويهز ذيله فرحا مرحبا بهم عندما يعودون من المدرسة, وينبح بانفعال إذا اقترب اللصوص من باب بيتهم. أخذوا يلحون على والدهم أن يشتري لهم كلبا صغيرا صغيرا, لكن والدهم لم يكن يحب وجود كلب في البيت, أي كلب, لا صغير صغير, ولا كبير كبير, ولا نصف نصف. فهو من ناحية لا يحب حبس الحيوانات في البيوت أو حتى في حدائق الحيوان. ومن ناحية أخرى كان حذرا من الأمراض التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر وهي كثيرة. ثم إن البيت لم تكن به حديقة يمرح فيها الكلب ويكون على مسافة معقولة من الأولاد.

أحس الأولاد بالحزن لعدم تحقيق حلمهم, وعانى الأب من إحساسه بحزن الأولاد, لكنه كان مقتنعا تماما بسلامة موقفه الرافض لوجود كلب في البيت, ثم بدا أن الأزمة يمكن أن تنفرج عندما قرأ الأب عن وجود كلاب آلية مزودة ببرامج متطورة تجعلها تتصرف ذاتيا, مثل الروبوتات. وأرسل الأب رسالة إلى أحد مواقع التجارة الالكترونية على شبكة الانترنت, وطلب شراء كلب إلكتروني قرأ عن مواصفاته المدهشة في أحد المواقع, وسدد الثمن من بطاقته (الفيزا الكترون). ولم تمر ثلاثة أسابيع حتى وصل الكلب الالكتروني في طرد بريدي, وأسرع به الأب إلى الأولاد.

كاد عقل الأولاد يطير من الفرح بالكلب الذي أسموه (تيبو) على اسم الكلب الالكتروني (ايبو) الذي أنتجته الشركة اليابانية الشهيرة. كان أعجوبة حقيقية, يلعب معهم الكرة, ويركض خلفهم بمرح, ويتقافز ويهز ذيله وأذنيه. كان مسليا جدا ويؤدي مهمات عديدة مدهشة مثل التقاط الصور ونقلها إلى جهاز الكمبيوتر, بل كان يمكنه أن يتعرف على أهل البيت وأقاربهم بتزويد برنامجه بصور لهم, وتمت برمجته ليردد عندما يرى أحد الأقارب (قريبو.. قريبو), وينبح عندما يرى شخصا غريبا ويردد (غريبو.. غريبو). لكن الأعجوبة لم تواصل نجاحها, لأن (تيبو) بدأ يخرّف!

أخذ (تيبو) يخلط الأمور, فينبح على القريب مرددا (غريبو.. غريبو), بدلا من أن يقول (قريبو.. قريبو). ولما بحثت الأسرة عن السبب, تبين ان (تيبو) ذا الذكاء الاصطناعي الفائق, يعجز عن التعرف على الشخص لمجرد أن تختلف هيئته أقل اختلاف عن الصورة المخزنة في ذاكرته الالكترونية, فيكفي أن يغير الشخص القميص الذي كان يرتديه في الصورة حتى يعجز (تيبو) عن التعرف عليه, فهو لا يمتلك حاسة الشم القوية لدى كلب عادي يستطيع أن يتعرف على الأشخاص من بصمة روائحهم التي لا يشترك فيها اثنان, وهو لا يمتلك أيضا حاسة السمع المرهفة جدا لدى كلب حي يستطيع أن يسمع دقات قلب الشخص الذي يقترب منه.

تحولت الأعجوبة الالكترونية إلى نكتة يضحك عليها الأولاد بشدة, فيغيرون ملابسهم ليفشل تيبو في التعرف عليهم ويظل يردد بإصرار (غريبو.. غريبو) وعندما يأتي لهم زوار لم تخزن صورهم في ذاكرته, يقوم الأولاد بإعارتهم بعض الملابس المعروفة في الصور المخزنة لديه, فيظل يردد بحماس (قريبو.. قريبو) وهو يتقافز ويهز ذيله, بينما الأولاد ينفجرون في الضحك.

 


 

محمد المخزنجي