الأكثر حرية وشعبية

الأكثر حرية وشعبية

رسوم: جيهان سعودي

لو كنت خروفا أو ماعزا أو حتى دجاجة أو أي حيوان آخر مأكول لما توانى الناس عن اللحاق بي والقبض عليّ, قد يبحث أحدهم عمن يكون فقدني فيسلمني إليه أو قد يخبئني البعض الآخر عن الأعين حتى يهدأ البحث عني فيبيعني في الأسواق أو ربما يزين مائدة طعامه بي بعد أن يعمل مني وجبة شهية!

لو كنت كلبا لاتصلوا بفرق المكافحة ولطاردوني من شارع إلى شارع حتى أصبح في مرمى نيرانهم, ولو كنت حيوانا شديد التوحش والافتراس لأسرع الجميع بغلق أبوابهم في وجهي ولفرضت حال الطوارئ لحين التخلص مني, أما لو كنت طائرا ذا ريش جميل وتغريد أجمل لمنعوني حريتي ومعانقة الطبيعة وحجزوني في الأقفاص وحتى لو كنت طائرا بلا فائدة لهم لما توانوا عن صيدي وتجريب أسلحتهم البدائية والحديثة فيّ.

أنا المخلوق الوحيد المسموح له بالتجول والسير بين الأزقة والشوارع وأعلى الأسطح والبيوت قرب المحلات والمطاعم أو في أي مكان آخر يمكن له أن يجذبني, أسير دون خوف أو مراعاة للآخرين, فقط أقل ما يمكن ان يصيبني أن يلاحقني بعض الصبية الأشقياء حتى ابتعد أو يقلدوا نباح الكلاب لإرعابي وقد تقذفني امرأة بحجارة وهي تنظف أحشاء السمك.

الكثير من الناس ينالون احترامي, فحين استظل بيوتهم وأشجار حدائقهم وسياراتهم لا يمانعون, وعندما أسير على الأرصفة أتمسح بأقدامهم وأحذيتهم لا يركلوني ولا يصدر عنهم حركة تخويف واحدة لي وقد يدعون أطفالهم لملاعبتي وملاطفتي ومعاملتي برحمة وشفقة.

بالأمس رأيت في شرفة أحد المنازل قطة سيامية تحتضنها صاحبتها وتمسد فراءها وتلعقها الحليب ثم قبضت على فمها وفتحته لها وقطرت لها القطرات من زجاجة دواء, رفعت رأسي من برميل القمامة ولم أحسد تلك القطة فأنا أكسب عيشي بعرق جبيني ولا أكلف أحداً مؤونة إطعامي, ونادرا ما أتألم وأتوجع وإن حصل لي مثل ذلك اكتفي بالانطواء والاعتزال جانبا حتى أشفى إذ لا عهد لي بمراجة الوحدات البيطرية ليصرفوا لي علاجا ما.

في الحق أنا مزهوة بنفسي وأرى أنني أكثر حرية حتى من البشر أنفسهم, أنا الأكثر حرية, أنا القطة شعبية!

 


 

لطيفة بطي